َبحث في الألفاظ الأعجمية في القرآن

پدیدآورعبدالامیر خادم علی‌زاده

تاریخ انتشار1388/09/13

منبع مقاله

share 1068 بازدید
بحث في الألفاظ الأعجمية في القرآن

عبدالامير خادم علي‏زاده
يتناول هذاالمقال الالفاظ‏الاعجمية فيالقرآن بالدرس، فيبدأ اولاً ببيان لمحة تاريخية عن‏الموضوع و بجولة قصيرة خلال‏الآيات المتعلقة به، عاكساً آراء مفسريالقرآن ثم يعالج ظاهرة تواردالمعاني و اخذ لغة من لغة اخري و تبادل الاستعارة بينهما، كمقدمة للدخول فيالموضوع. و القسم الآخر الذي يتناوله هذاالمقال هو ذكر اهم الادلة‏التي تقال في وجود الالفاظ الاعجمية فيالقرآن او في عدم وجودها فيه.

عرض الموضوع

إن‏القول بوجود ألفاظ أعجمية، اي غير عربية، فيالقرآن من جهة، والتصريح بأن‏القران «عربي» و «عربي مبين» فيعدد من‏الآيات من جهة اخري أديا الي‏ظهور شبهات علي‏القرآن. فابتداءً من‏الايام الأولي لنزول القرآن و ظهور المعاندين حتي ظهور المستشرقين بالامس واليوم، كان‏القول بوجود هذه‏الالفاظ حجة يتذرعون بها لالقاء هذه‏الشبهات. فمرة يقولون إن هناك تناقضاً صريحاً فيالقرآن، و مرة اخري يستندون علي وجود هذه‏الالفاظ للزعم بتحريف القرآن، و بانزاله الي مستوي‏الاناجيل التي كتبها اناس ملهمون، و ذلك لكي يمهدوا الطريق لطرح شبهات اخري، بل سعوا احياناً الي جرح إعجاز القرآن.
إن وجود هذه‏الشبهات حث علماء العلوم القرآنية علي‏البحث فيهذا الأمر و السعي فيازالة هذا التناقض‏الظاهري و الرد علي تلك‏الشبهات.

لمحة تاريخية

اثناء نزول‏القرآن و بعيد ذلك اثار هذاالموضوع كلا من ابن عباس (ت 68 هـ) وابن جيد (ت 95 هـ) و وهب بن منبه (ت 114 هـ) بشكله‏الأولي، ثم تابعهم‏الشافعي (ت 204 ه••) في «الرسالة» و «الأم». و فيالوقت نفسه، مع‏الشافعي، تناول‏الموضوع كل من ابيعبيدة معمربن‏المثني (ت 209 ه••) و ابي عبيدالقاسم بن سلاّم (ت 224 ه••).
بعد ذلك قام ابن جريرالطبري (ت 310 هـ) فيمقدمة تفسيره ببحث هذا الموضوع ايضا. و قام معاصره ابوحاتم الرازي (ت 322 ه••) بما عرف عنه من‏التبحر فيفقه اللغة فتابع‏الموضوع في «الزينة»، ثم بما كان لدي ابن جني من‏الدقة (ت 392 ه••) تابعه في «الخصائص» بشكل فني. و فيالقرن‏السادس قام كل من ابي منصورالجواليقي (ت 540 ه••) في «المعرّب من‏الكلام الاعجمي»، و ابن عطية (ت 546 ه••) في «تفسير ابن عطية» فيوقت واحد ببحث‏الموضوع ايضا. و فيالقرن السابع خصص له‏القرطبي (ت 671 ه••) فيتفسير «الجامع لأحكام القرآن» باباً. ثم قام‏الزركشي (ت 794 هـ)، العالم‏المشهور فيعلوم القرآن في «النوع‏السابع عشر» من «البرهان فيعلوم القرآن» تحت عنوان «معرفة ما فيه من غير لغة‏العرب» و لكنه لم يختر قولاً معيناً.
ثم كتب‏السيوطي (ت 911 ه••)، العالم‏المتبحرالمعروف الذي أبلغ‏البحث في العلوم‏القرآنية الي أوجه، في «النوع‏الثامن و الثلاثون» تحت عنوان «فيما وقع فيه بغير لغة‏العرب، بحثاً مسهباً فريداً بقي اثراً قيماً بعده يدل علي درايته و دقته فيالبحث.
و فيالعصرالحاضر تناول الدكتور عبدالصبور شاهين، فيكتابه «القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث» و تحت عنوان «مشكلة‏الاصل‏الاعجمي» هذا الموضوع باسلوب فني تحقيقي مفصل، علي‏الرغم من أنه لم يعط رأيه‏الخاص فيه.
هناك بالطبع كتابات حديثة اخري حول‏الموضوع مطبوعة، إلاأنها فيالأعم الأغلب أوسع من بحثنا هذا.

جولة فيالآيات‏المتعلقة بالموضوع

قام عدد معدود من‏المفسرين‏الشيعة و السنة بالبحث في تفاسيرهم عن‏الآيات‏التي تصرح بكون‏القرآن عربياً فيابحات قصيرة ضمن‏الكلام علي الالفاظ الاعجمية فيالقرآن. و لكي نطلع علي أهم تلك الآراء لابد لنا أن نقوم بجولة فيها:
إن الآيات التي تخص‏الموضوع يبلغ عددها 15 آية،ورد في 11 منها لفظ «عربي» او «عربياً» وفي 4 مواضع وردت لفظة «اعجمي».
1. إنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَعَلّكُمْ تَعقِلُونَ (يوسف /2)
العلامة‏الطباطبائي يقول في ذيل هذه‏الآية:
«انزاله قرآناً عربياً هوإلباسه فيمرحلة‏الانزال لباس‏القراءة والعربية و جعله لفظاً متلواً مطابقاً لما يتداوله‏العرب من اللغة»
والشيخ الطبرسي يفسر «قرآنا عربياً» بقوله:
«لقد نزل‏القرآن علي وفق مجاري كلام‏العرب في محاوراتهم»
صاحب تفسيرالخازن عند تفسير هذه الآية، و بعد ان يشير الي اختلاف العلماء فيوجود الفاظ غير عربية فيالقرآن‏الكريم، يختار اقوال ابن عباس و مجاهد و عكرمة الذين يؤيدون وجودالفاظ غير عربية فيالقرآن، يقول رداً علي ابي عبيدة‏الذي ينكر وجود الفاظ غير عربية فيالقرآن:
«روي عن ابن عباس و مجاهد و عكرمة ان فيه من غير لسان‏العرب، مثل: سجيل، والمشكاة، و اليم، و استبرق و نحو ذلك، و هوالصحيح المختار، لأن هؤلاء أعلم من ابيعبيدة بلسان‏العرب، و عندما دارت علي‏السنتهم صارت عربية فصيحة و إن كانت غير عربية فيالأصل، لكنهم لما تكلموا بها نسبت اليهم و صارت لهم لغة، فظهر بهذا البيان صحة القولين
2. وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ (ابراهيم /4)
يستند عدد من‏المفسرين علي هذه السنة الالهية بأنه لم يرسل رسولاً إلا بلسان‏القوم الذين ارسل اليهم، و يقولون إن ظاهرالآية خير دليل علي عدم وجود الفاظ غير عربية فيالقرآن، مع أن‏المقصود من «قوم» لا يعني أن يكون‏الرسول منتمياً برابطة‏النسب الي‏القوم‏الذين ارسل اليهم، و أن يبلّغ دين‏الله و شريعته بلسانهم. يشيرالعلامة‏الطباطبائي فيتفسير الآية الي ذلك فيقول:
«والمراد بارسال‏الرسول بلسان قومه ارساله بلسان‏القوم الذين كان يعيش فيهم و يخالطهم و يعاشرهم و ليس المراد به الارسال بلسان‏القوم الذين هو منهم نسباً لانه سبحانه يصرح بمهاجرة لوط (ع) من كلدة و هم سريانية‏اللسان الي المؤتفكات و هم عبرانيون، و سمّاهم قومه و ارسله اليهم...
والشيخ‏الطوسي ايضايري أن الارسال بلسان‏القوم يكفي أن يفهم‏القوم ما يقول، من دون حاجة الي من يقوم بترجمة كلام‏الرسول. و هذا ما اورده بعينه‏الطبرسي فيتفسيره.
و ينقل الألوسي فيتفسيره لهذه الآية عن ابي بكر الواسطي فيقول: «و ذكر ابوبكر الواسطي أن فيالقرآن خمسين لغة. و سردها ممثلا لها إلا أنه ذكر أن فيه من غيرالعربية، الفرس و النبط، و الحبشة، و البربر و السريانية و العبرانية، و القبط...»
3. وَلَوْجَعَلْناهُ قُرآناً أَعْجَمِّياً لَقالُوا لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ أأعْجَمِيٌ و عَرَبّي (فصلت /44)
ينقل العلامة‏الطباطبائي فيتفسير هذه الآية عن «مفردات‏الراغب»: «العجمة خلاف الابانة، و الاعجام الابهام... و العجم خلاف‏العرب... والاعجم من فيلسانه عجمة، عربياً كان او غير عربي.»
ثم يستنتج من هذا التعريف قائلا: «فالأعجمي غيرالعربيالبليغ، سواء كان من غير اهل‏اللغة او كان منهم و هو غير مفصح للكنة فيلسانه.»
3. وَلَقَدْنَعْلَمُ أنَّهُمْ يَقُولُونَ إنّما يُعَلَّمهُ بَشَرٌ لِسانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌوَ هَذالِسانٌ عَرَبِيّ مُبِينٌ (النحل / 103)
بعض‏المفسرين يشيرون فيذيل هذه‏الآية الي هذا التعريف عن‏الأعجمي، فالشيخ‏الطوسي يقول:
«الأعجمي الذي لايفصح، والعجميالمنسوب الي‏العجم، والأعرابي البدوي والعربيالمنسوب الي العرب.»
يقول الطبرسي إن‏السبب فيعدم استعمال‏الله تعالي لفظ «عجمي» بدلاً من «أعجمي» هو اختلاف اللفظين فيالمعني، وإن لفظ «عجمي» منسوب الي العجم و إن يكن فصيحاً. أما «الأعجمي» فهو غيرالفصيح فيكلامه و إن يكن عربياً. ثم يضيف قائلا:
«ألا ترون أن سيبويه كان من‏العجم و إن كان لسانه عربياً»
في تبيان معني الأعجمي ينقل الفخرالرازي عن ابيالفتح الموصلي قوله:
«يطلق‏العرب علي من لا يعرف‏العربية و يستطيع التكلم بها لفظ الأعجم و الأعجمي.»
أما الزمخشري فيقول موجزاً: «الأعجمي غيرالبيّن»
نكتفي بهذا القدر من‏الاشارة الي آراءالمفسرين فيبيان معني الآيات‏المختصة بهذاالموضوع. إنما نؤكدأن‏المقصود من «الأ عجمي» في هذه‏المقالة أخص من‏التعريف‏الذي ذكره‏العلامة الطباطبائي بعد نقل قول‏الراغب في ذيل الآية 44 من سورة فصلت. ان‏القصد من‏الالفاظ الأعجمية في هذه‏المقالة هيالالفاظ غيرالعربية. إن عدداً من مبلغي الأديان‏الاخري و المستشرقين يعتبرون وجود الالفاظ غيرالعربية فيالقرآن ضرباً من‏التحريف فيالقرآن، او إن‏الرسول (ص) قد اقتبس من الأديان و الأقوام الاخري. و يطلق علي هذه‏الالفاظ اسم الالفاظ الدخيلة.

تصوير موضع‏النزاع

يقول‏القرآن: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ (ابراهيم / 4)
و لما كان لسان محمد (ص) عربياً و كان قومه عرباً. فلا شك في ان‏الكتاب الذي انزل عليهم كان باللغة‏العربية. و هذا ما ينص عليه‏القرآن نفسه: إنّا أنْزَلْناهُ قُرآناً عَرَبيّاً لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف /2)، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ¨ مُبِينٍ (الشعراء / 195)
كذلك يجمع‏المفسرون والمختصون بالعلوم القرآنية علي أن اسلوب القرآن عربي والقرطبي (ت 671 ه••) ممن يؤكد هذاالإجماع و يقول: «يري المفسرون و علماءالعلوم‏القرآنية جميعاً ان ليس فيالقرآن كلام مركب بأسلوب غير عربي»
إذن فليس فيالقرآن كلام مركب إلا الكلام العربي القائم علي اساس من قواعداللغة‏العربية و نحوها، و هذا امر مفروغ منه لا نزاع فيه. أما الالفاظ المفردةُ فيالقرآن، والتي هي مدارالبحث، فيمكن تصنيفها الي اسماء الاعلام و غيرالاعلام. و عندالتدقيق فيما كتبه العلماءالمختصون نجدأنهم يجمعون علي وجود اسماء اعلام غير عربية فيالقرآن مثل: ابليس، انجيل، طالوت، هارون، يأجوج و غيرها. يقول القرطبي في هذا الشأن:
«لاخلاف بين الأئمة انه ليس فيالقرآن كلام مركب علي‏أساليب غيرالعرب، و إن فيه اسماء أعلاماً لمن لسانه غيرلسان‏العرب، كاسرائيل و جبريل و عمران و نوح و لوط. واختلفوا هل وقع فيه الفاظ غيراعلام مفردُة من غير كلام العرب...»
والسيوطي، بعد أ ن يورد استدلال القائلين بوجود الفاظ اعجمية فيالقرآن، و هو قولهم: «دليلنا هو إجماع‏النحويين علي ان (ابراهيم) ممنوع من‏الصرف للعلمية والعجمة [اي إن فيالقرآن الفاظاً غير عربية]، يقول: «هذا الاستدلال مردود لأن الاعلام ليست محل نزاع.»
و عليه فان موضع‏النزاع ينحصر فيالالفاظ المفردة الأعجمية باستثناء الاعلام. [بعبارة أدق، الالفاظ، غيرالاعلام، المستعملة فيالقرآن و فياللغات الاخري بمعني واحد].

الألفاظ الأعجمية فيالقرآن

لايذكرالقائلون بوجود الفاظ أعجمية فيالقرآن عدد هذه الالفاظ، و ذلك لوجود خلاف حول أعجمية بعض الالفاظ، و التي يعبر عنها بعبارة «ماقيل بأعجميتها» كما أن ميزان‏التتبع و الاستقراء ليس متساوياً عندالقائمين بهما، فبعض منهم، كالسيوطي، قضي سنوات فيالتتبع وإعداد الفهارس لها، فيما اكتفي بعض آخر بنقل‏الفاظ محدودة.
من بين علماءالعلوم‏القرآنية الذين عُنوا بجمع هذه الالفاظ يمكن الاشارة الي ابي حاتم‏الرازي (ت 322 ه••)، و ابي منصورالجواليقي (ت 540 ه••)، والزركشي (ت 794 ه••) والسيوطي (ت 911 ه••) والدكتور عبدالصبور شاهين. الزركشي لم يحص سوي 24 لفظة أعجمية فيالقرآن، بدون أن يذكر إن كان هو الذي تتبعها و أحصاها، و لا إن كانت هذه كلها.
يذكرالسيوطي كتاب «المهذب فيما وقع فيالقرآن من‏المعرّب» و يقول انه اوردها مفصلة فيه، و ذكر خلاصتها في «الاتقان». و بعد ان يورد اقوال‏المنكرين و المجوزين و رأيه‏الخاص، يذكر بالترتيب الهجائي 116 لفظة، ثم يقول: «لم ترد هذه الالفاظ في اي كتاب من قبل.»
و لا شك انه في تدوين هذه‏المجموعة قد استعان بكتاب «الزينة» لأبي حاتم احمدبن حمدان اللغوي الرازي، و بكتاب «المعرّب» لأبي منصور الجواليقي.
أما الدكتور عبدالصبور شاهين فيورد الالفاظ الاعجمية، في تحقيق قيم، بصورة مجموعات منفصله (سامية، هندية، اوربية، حامية، طورانية)، ثم يقول ان هذه ليست جميع‏الالفاظ الاعجمية فيالقرآن. و هو قد اعتمد مصدرين أساسين هما كتاب «الزينة» و «الاتقان» كما انه راجع كتاب «المعرّب» ايضا.
إن وجود هاتين‏المجموعتين‏القديمة و الجديدة في «الاتقان» و «القراءات القرآنية» تغنياننا عن تكرار هذه الالفاظ في هذا المقال.
من‏الجدير بالذكر إن الالفاظ الاعجمية فيالقرآن لا تنحصر فيالالفاظ المنقولة علي‏المشهور، إذ إننا نشاهد في متابعات بعض‏المستشرقين الفاظاً اخري اضافة الي مجموعة‏السيوطي في «الاتقان». (رو جيه بلاشر) المحقق‏الفرنسيالمعروف و الذي له في بعض المباحث القرآنية دراسات واسعة و عميقة و منصفة الي حد ما، يشير الي مجموعة من‏الكلمات‏الآرامية و السريانية والعبرية، و يؤكدان‏العرب قداستعملوا، بسبب مجاورتهم لليهود و الامم الاخري، الفاظاً مثل: «قرأ، كتب، كتاب، تفسير، تلميذ، فرقان، قيوم، زنديق.»

توارد الألفاظ

فيعلوم‏اللغة يصطلح علي استعمال لفظة فيلغتين و اكثر بالمعني نفسه باسم «تواردالالفاظ». فمثلاً، فياللغتين‏العربية والحبشية لفظة «قسورة» (المدثر / 51) من الالفاظ المتواردة، فهي تستعمل في‏اللغتين‏العربية والحبشية بالمعني نفسه، فالتوارد هوان تستعمل لفظة واحدة او معني واحد فيلغة، ثم ينتقل استعمالها مصادفة الي لغة اخري بالمعني نفسه. و بناء علي ذلك يحدث‏التوارد بالمصادفة، و لهذا قد يطلق علي ذلك اسم «التواردالتصادفي».
ينكرالقائلون بتواردالالفاظ كل انواع الاخذ والاستعارة من لغة الي اخري، ويرون ان استعمال اللفظة الواحدة و بالمعني الواحد فيلغتين او اكثر لا يكون إلا من باب‏المصادفة.
نكتفي بهذا القدر من معرفة تواردالالفاظ.

استعارة لغة من لغة اخري

فيعلم‏اللغات، الأخذ او الاستعارة عبارة عن استعمال لفظة اوالفاظ من لغة فيلغة اخري، بحيث يكون هذا الاخذ والعطاء من لغة تكون هيالاصل الي اخري هيالفرع. ان استعارة لغة من اخري عن طريق‏المجاورة اوالعلائق الاقتصادية اوالروابط الثقافية اوالهجرة و غير ذلك امر لا مفر منه حسبمايري اهل هذاالفنّ، إلا ان‏التمييز بين اللغة‏الاصل و اللغة‏الفرع أمر صعب، و معظم‏الاحكام فيهذا الباب تصدر علي اساس من‏الظن والتخمين، لا علي اساس علمي متقن، علي‏الاخص اذا كانت المقارنة بين لغتين متقاربتين و متشابهتين. يقول (ثيودور نولد كه) المستشرق‏الالماني:
«كلما كان‏التشابه بين لغتين أكبر، كان‏التمييز بين اللغة‏المعيرة واللغة‏المستعيرة أصعب.»
اما مصطلح‏الكلمات‏الدخيلة فيطلق علي‏الالفاظ التي تستعار من لغة اخري. اما فياللغة‏العربية فلوجود القياسات والاوزان الفنية يمكن معرفة‏الاصيل من‏الدخيل، و من ذلك قياس ابن جني، فهو يقول: «إن ما يمكن قياسه علي كلام العرب فهو عربي.»

ادلة‏القائلين بوجودألفاظ أعجمية فيالقرآن

1. قبل نزول‏القرآن، علي أثر مخالطة‏العرب الاقوام الاخري و أسفارهم والهجرة الي الدول المجاورة، كالشام و فلسطين والحبشة وايران و غيرها تسربت الفاظ غير عربية الي اللغة العربية و دخلت حتي في شعرهم واعتبرهاالعرب عربية فصيحة. ثم عند ما نزل‏القرآن بلسان عربي فصيح، استعمل تلك الالفاظ الاعجمية‏الاصل.
ابن عطية (ت 546 ه••) فيمقدمة تفسيره، يقول، كأحسن عالم من علماءاللغة‏المحدثين، مستنداً علي‏الاستدلال العلمي القويم، و بعيداً عن‏الادلة الخطابية، ان اللغة‏العربية اخذت من‏اللغات‏الاخري، فيقول ما خلاصته:
«لقد اختلطت‏العرب العاربة الذين نزل القرآن بلسانهم مع‏الاقوام غيرالعرب و ترددوا عليهم عن طريق‏التجارة والسفر الي المصايف والمشاتي و غير ذلك، مثل سفر ابي عمرو الي‏الشام، و سفر عمربن‏الخطاب و عمروبن‏العاص و عمارة بن‏الوليد الي‏الحبشة، و سفرالأعشي الي الحيرة و مقابلته للنصاري هناك، و هو حجة فياللغة. و بناء علي ذلك فان هذه هي الطرق التي دخلت منها ألفاظ غير عربية الي‏اللغة العربية، و بعد حذف بعض الحروف او تخفيفها، دخلت تلك الالفاظ فيالشعرالعربي و فيالكلام اليومي حتي ظهرت فيصيغ عربية فصيحة، و علي هذاالحال نزل بها القرآن.
و ليس من‏المستغرب ألاّ يعرف‏العرب معاني هذه الالفاظ لأنها ليست عربية فيالأصل، بمثلما كان ابن‏عباس يجهل معني «فاطر». و عليه فقد كانت تلك الالفاظ غير عربية، و لكن‏العرب عرّبوها واستعملوها فيلغتهم، و علي هذا الاساس، فهي عربية.»
و في بحث عن لفظ القرآن يقول الدكتور صبحي الصالح في مضمار اشارته الي اقوال مستشرقين مثل (بلاشر) و (برگشتراسر):
«اما لفظ (قرأ) بمعني (تلا) فقد اخذهاالعرب من اصل آرامي و تداولوها. فمن‏المعروف، كما يقول G. Bergstrasser، ان‏اللغات الآرامية والحبشية والفارسية تركت فيالعربية آثاراً لا تنكر، لانها كانت لغات‏الاقوام المتمدنة المجاورة للعرب فيالقرون السابقة للهجرة.
و مالنا نستغرب هذا و لا نصدقه و نحن نعلم ان لهجات الآرامية المختلفة كانت تسود كل بلاد فلسطين و سورية و بين‏النهرين و بعض‏العراق؟ و نعلم ايضاً ان جوارالعرب لليهود الذين كانت لغتهم الدينية الآرامية، عجّل في انتشار كثير من‏الالفاظ الدينية الآرامية؟ و قد اشار الي هذا المستشرق (كرنكو) Krenkow في بحثه عن لفظ (كتاب) فيدائرة‏المعارف الاسلامية.
كذلك يقول (بلاشر) Blacher، بعد ذكر عدد من‏الكلمات الدينية الارامية و السريانية و العبرية، مؤكداً ان‏العرب اقتبست هذه الالفاظ ممن جاورهم من‏الاقوام اليهودية و غيرهم و استعملوها فيلغتهم.
2. فيالقرآن الفاظ غير عربية. و فيما يتعلق بقول‏الله «قرآناً عربياً» (يوسف /4) قالوا: ان امثال هذه‏الالفاظ فياللغة‏العربية من القلة بحيث انها لا تخرج اللغة من عربيتها، بمثلما ان وجود بضعة‏الفاظ عربية في قصيدة فارسية لا تخرج‏القصيدة من كونها فارسية.
3. يقول السيوطي:
«وقوع الأعلام غيرالعربية فيالقرآن امر مجمع عليه، فما المانع من وجود عدد من الالفاظ غيرالعربية، عدا الأعلام، فيالقرآن؟»
4. ثمة آخرون، كالزمخشري، يرون أن الالفاظ التي لا تكون علي احد الاوزان العربية، كأنجيل [بموجب قراءة حسن الذي قرأها بفتح‏الهمزة] دليلاً علي وجودالفاظ اعجمية فيالقرآن. و تعليقاً علي قول‏الله: وانزلنا التوراة و الانجيل يقول:
«التوراة والانجيل اسمان اعجميان، و قد تكلفوا اشتقاقهما من الوري و النجل تكلفاً، و وزنا هما بتفعلة وافعيل انما يصحان بعد كونهما عربيين و قد قرأالحسن الأنجيل بفتح‏الهمزة، و هو دليل علي‏العجمة، لأن أفعيل، بفتح‏الهمزة عديم فياوزان العرب»
و في موضع آخر من تفسيره، يصرح بكونهما اعجميي الاصل و انهما معرّبتان: «المسيح لقب من‏الالقاب المشرفة، كالصدّيق، والفاروق، واصله مشيحا بالعبرانية و معناه‏المبارك، كقوله: وَجَعَلني مُبارَكاً أَيْنَما كُنْتُ، و كذلك عيسي، معرّب ايشوع و مشتقهما من‏المسح و العيس، كالراقم فيالماء.»
5. هناك ادلة نقلية عديدة علي وجودالفاظ من لغات اخري فيالقرآن، و هي مما يعتبرها السيوطي من اقوي الادلة علي وقوع الفاظ اعجمية فيالقرآن، فبعد ذكر بعض‏ادلة القائلين بذلك، يقول:
«و اقوي ما رأيته للوقوع، و هو اختياري، ما اخرجه ابن جرير بسند صحيح عن ابي مسيرة‏التابعي الجليل، قال: فيالقرآن من كل لسان. و روي مثله عن سعيد بن جبير و وهب بن منبّه.»
و يستنتج من ذلك:
ان‏الحكمة في وقوع هذه‏الالفاظ فيالقرآن هوان علوم الاولين و الآخرين و «نبأ كل شيء» موجود فيالقرآن. لذلك تجب‏الاشارة الي انواع الألسن فيالقرآن لكي تحصل احاطته «بكل شيء»
و فيالنهاية يشير الي ابن‏النقيب الذي قال في هذا الشأن:
«ان من امتياز القرآن علي سائرالكتب السماوية هوان تلك الكتب نزلت بلغة قومها، و لم تكن فيها لغة اخري، بينما القرآن اضافة الي اشتماله علي مختلف اللغات [اللهجات]العربية، جاءت فيه لغات اخري غير عربية، مثل الرومية و الفارسية و الحبشية بصورة واسعة.»

ادلة‏القائلين بعدم وجودالفاظ أعجمية فيالقرآن

1. نزل‏القرآن باللغة‏العربية و جميع مفرداته و عباراته عربية، و ما ورد فيه مما ينسب الي اللغات الأخري انماهو من باب التوارد بين اللغات.
خلاصة قول‏الشافعي (ت 204 ه••) هي: القرآن نفسه يقول انه لم يأت إلا بلسان عربي، والالفاظ الاعجمية الموافقة للعربية فيالقرآن هو من باب التوارد و التوافق.
ابو عبيدة معمربن‏المثني (ت 209 ه••) المعاصر للشافعي يدلي برأيه علي‏المنوال نفسه.
ابن جرير الطبري (ت 310 ه••) يستند الي ظاهر قول‏الله تعالي:
إنّا أَنْزَلْناهُ قُرآناً عَرَبيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف /2) و يقول ما ملخصه: «لا يجوز لمن وهب فطرة سليمة و يؤمن بالقرآن و يعرف حدودالله ان يظن ان بعض كلمات القرآن فارسية، لاعربية، و بعضا آخر نبطية، لاعربية... بعدان قال‏الله تعالي عن‏القرآن: إنّا أَنْزَلْناهُ قُرآناً عَرَبِيّاً»
و هو يؤكدالتوارد فياللغات فيالكلمات المذكورة و يقول تحت عنوان «القول فيالبيان عن‏الأحرف التي اتفقت فيها الفاظ العرب و غيرها من بعض اجناس الامم». ثم ينكرالقول بأن اللغة العربية اخذت و استعارت من‏الآخرين، و يقول ما ملخصه:
«لاالعربية اولي أن تكون اصلاً لهذه‏الكلمات و لا الأعجمية أحق أن تكون فيها جذورها التي اخذتها العربية منها، و إن من يدعي ذلك فلابد من خبر يقين يثبته.»
ثم يضيف قائلا:
«يستحسن أن نطلق علي هذه‏الكلمات اسم عربية - اعجمية، او حبشية - عربية، لأنها تستعمل بالمعني نفسه في كلتااللغتين.»
2. ابن فارس (ت 395 ه••) يقول:
«إن وجود الالفاظ الأعجمية فيالقرآن يحمل الآخرين علي‏القول بأن اشتمال القرآن علي‏الفاظ غير عربية جعل العرب عاجزة عن‏الاتيان بمثله...»
3. و قال آخرون:
«جميع‏الالفاظ المذكورة عربية صرف، إلا ان اتساع‏اللغة العربية هذا الاتساع الواسع، يجعل من غيرالمستبعد ان تكون هذه الالفاظ قد خفيت حتي علي كبار الصحابة، بمثلما إن ابن عباس لم يكن يعرف معني (فاطر) و (فاتح) [لعله كان يظنها غير عربية.]

ابوعبيد و تصديق القولين

ابو عبيدالقاسم بن سلاّم (ت 224 ه••)، بعد ان يصف‏القائلين بالوقوع بالفقهاء، و المنكرين بادباءالعرب، و ينبري لعقد مصالحة بين الطرفين، يقول ما ملخصه:
«إني اوءمن بالرأيالذي يؤيدالقولين، اذ ان جذوز هذه الالفاظ اعجمية، كما يقول فقهاء اللغة، و لكنها قد استعملها العرب بعد ان عربوها فاصبحت عربية. ثم نزل‏بها القرآن. اذن فالذين يقولون ان هذه الالفاظ عربية، و الذين يقولون انها اعجمية صادقون فيما يقولون.»
و بعد ان يقتبس‏السيوطي هذا الرأي يقول:
«لقد كان الجواليقي و ابن الجوزي و آخرون يميلون الي هذا القول.»
و ابن فارس ايضا بعد ان ينقل قول ابي عبيد يقول:
«اذن فرأيابيعبيد صحيح، علي‏الرغم من أن عدداً من‏المتقدمين يرون رأياً آخر.»
بالنظر الي المباحث السابقة يتضح لنا ان ابا عبيد من‏القائلين بأخذ اللغة‏العربية من‏اللغات الاخري، و ينكر توارداللغات و عليه فانه اقرب الي تأييد القائلين بوقوع الفاظ أعجمية فيالقرآن من ان يؤيدالطرفين و يصالح بينهما.

القول المختار

رأينا المختار هوالقول بوجود كلمات اعجمية‏الاصل فيالقرآن. غير ان الاسلوب المنطقي للبحث يستدعي اولاً ردالقائلين بعدم وجودها، ثم نشرع ببيان‏الادلة المؤيدة لرأينا.
اهم دليل يتمسك به‏المنكرون هو تواردالالفاظ الذي تمسك به الشافعي و ابو عبيد و ابن جريرالطبري. والظاهر انهم رأوا أن القول بوجود الفاظ اعجمية فيالقرآن يضعف من شأن هذا الكتاب السماوي و المعجزة‏الكبري للرسول‏الكريم، و استندوا في تأييد رأيهم علي ظهور الآيات و التمسك بالتوارد، مع أن هذاالتوارد يفسر آخر الامر وجود بضع كلمات اعجمية فيالقرآن، و ليس وجود اكثر من مئة لفظ احصي وجودها فيالقرآن، مع‏العلم بأن هذه‏الالفاظ قد وردت فيالعربية قبل نزول القرآن، و هي علي كل حال ظاهرة ترجع الي اللغة و لا علاقة لها بنزول القرآن، إذ أن‏القرآن قد نزل بلغة‏العرب، تلك اللغة التي لا شك في انها قد تأثرت باللغات‏الاخري و اخذت كلمات اعجمية و استعملتها بعد تعريبها قبل سنوات من نزول القرآن بحيث ان ذلك لم يعتبر مخلاً بالفصاحة.
والشافعي الذي ينكر بشدة وجودالالفاظ الاعجمية فيالقرآن، و يقول إن مخالفي رأيه لا يملكون دليلا يؤيد هم، قد استند الي التوارد و لم يأت بدليل علي اثباته، مع‏العلم ان ما هو من باب‏التوارد يعتبر فيالواقع ضرباً من‏الاستعارة من‏اللغات الاخري بسبب اختلاط العرب بغيرهم،
و هو امر بديهي و واقعي و لا يمكن انكاره، كما أن العلائق و الارتباطات الواسعة فيالوقت الحاضر تتطلب المزيد من‏الاستعارة من‏اللغات الاخري، بحيث اننا نجد في كثير من‏اللغات، بما فيها اللغة‏العربية، الفاظاً لا تينية بعينها، من دون تغيير لا فياللفظ و لا في الشكل و لا حتي وجود ( ال•• ) الملازمه للاسماء فيالعربية فيها.
و بناء علي ذلك، و علي‏الرغم من صعوبة اثبات أصالة بعض الالفاظ بالدليل القاطع علي انها عربية، إلا أن هناك شواهد تاريخية كثيرة علي عدم امكان انكار وجود «الاخذ و الاستعارة» بين‏اللغات، و اعتبارها جميعاً من باب توارد الالفاظ من دون اقامة‏الدليل علي ذلك. إن‏التوارد الذي يستبعده اهل الفن و لا يقبلون به إلا فيحالات نادرة، هوالذي اورده ابن عطية في رده علي‏الطبري، فيقول فيما يقول:
«إن رأيالطبري القائل بأن كلتا اللغتين قد ا ستعملتا تلك الكلمات من باب‏التوارد رأي مستبعد، والأصح إن احدي اللغتين غالباً هي الأصل والاخري هيالفرع و ما قولنا «غالباً» إلا لأننا لا نستبعد ان استعمال هذه‏الكلمات فياللغتين كان من باب الاتفاق والمصادفة.»
كذلك ابن عباس و امثاله الذين ذكروا تلك الالفاظ الدخيلة لم يشيروا بشيء الي‏التوارد والاتفاق، و هذا نوع من‏التأييد الضمني علي اخذ هذه‏الكلمات من اللغات الاخري، حتي إن لم نعرف الاصل من الفرع. و علي الرغم من التتبع الكثير لم نعثر علي حديث عن‏النبي (ص) و لا عن‏الامام علي (ع) خلال فترة نزول القرآن و بعده، يشير فيه الراوي الي انه سألهما عن كون هذه‏الكلمات دخيلة واعجمية الاصل. فالحق اذن هوان وجود هذه‏الالفاظ الاعجمية فياللغة العربية ليس من باب التوارد، بل هو من باب الاخذ والاستعارات الجارية بين اللغات، علي‏الرغم من صعوبة التمييز بين اللغة‏المستعيرة و اللغة المستعار منها بالنظر لعدم وجود مصدر معتمد يتناول دراسة مقارنة لاصول المفردات فياللغات السامية. و في هذا يقول مترجم كتاب «الالفاظ الدخيلة فيالقرآن المجيد»:
«من‏المؤسف ان لا تكون هناك فيكتاب (والده يوكورني) اشارة الي الاصول اللغوية للغات الهندو - اوربية او الهند و - المانية، لكي يمكن الرجوع اليها واعطاء رأي قاطع فيالاصول السامية و معانيها و انتقالها الي اللغات التوأم لها.»
أما دليلنا علي وجود الفاظ اعجمية فيالقرآن، اضافة الي الادلة التي اوردها القائلون بذلك، فهو أن تعبير «عربي مبين» او «بلسان عربي» لا يتنافي مطلقا مع استعارة‏العرب من‏اللغات القديمة المجاورة لهم، كالسّريانيّة، والعبرية، والحبشية، والفارسية. اما الشافعي و ابو عبيد وامثالهما الذين ينكرون الاخذ من اللغات‏الاخري، فانهم ينكرون واقعاً تاريخياً من دون اراءة دليل. ان الاختلاط والامتزاج اللذين نشهد اليوم تفاقمهما، و يكاد يؤدي الي وضع معاجم مستقلة للكلمات الدخيلة الي كل لغة من‏اللغات، يعد من الامور الطبيعية المسلم بها في تاريخ البشر، و كلما كان هذا الامتزاج اكثر، كان تأثير ذلك أوسع، علي‏الرغم من صعوبة التمييز بين‏الاصل و الفرع. نلاحظ، مثلا، أن اتصال العرب القدامي بالحضارة الصينية كان عديم الوجود، او كان علي ادني حد ممكن، لذلك فنحن لم نسمع بوجود لفظة صينية فيالقرآن، أو أي لغة قديمة اخري لما قبل آلاف السنين من دون ان تكون علي اتصال بالعرب. ان الأدباءالعرب يتنا قشون اليوم في كون اللغة العربية امتلأت بالالفاظ غيرالعربية بسبب الاختلاط و الترابط الاقتصادي و السياسي و الثقافي و التجاري و غيرها، بحيث انها تحتاج - كما يقول احدهم - الي سيبويه جديد ليقوم بانقاذ اللغة العربية من‏الدخيل عليها من‏اللغات الاخري و التي بدأت قبل‏الاسلام.
ثم من جهة اخري، علي اثر ظهور علوم جديدة مثل علم اللغة الاجتماعي و علم نفس اللغة و فقه‏اللغة، اصبح من الواضح اليوم أن تداخل الألسنة و تبادل الاستعارات اللغوية نتيجة طبيعية لاحتكاك الاقوام فيما بينها. و من حيث وجهة النظر التاريخية فان لغات الاقوام المتجاورة تتأثر بعض ببعض بسبب العلاقات التجارية و الثقافية و الدينية و غيرها، و لا يستثني العرب من هذه القاعدة. يقول احدالكتاب المعاصرين في هذا الشأن:
«إن عملية اقتراض الألسنة بعض من بعض ليست امراً جديداً، و يعود تاريخها الي تاريخ ظهور اللغات نفسها، و اللغة‏الوحيدة المستثناة فيها هي اللغة المعزولة المنزوية و المقطوعة عن كل علاقة اجتماعية و ثقافية، و تكون مستغنية عن كل حاجة او ارتباط بالآخرين. و بديهي إن لغة كهذه لاوجود لها فيالعالم. والواقع ان وجود لغة خالصة تماماً بحيث ان اذيال كبريائها لم تتسخ بغبار اية لغة اخري انما هو اسطورة محض. ان الدّراسات العلميه فيعلوم اللغة تدل علي ان اللغات جميعا متمازجة من حيث‏المفردات، بل ان نسبة‏الدخيل في بعض اللغات مرتفعة جداً، كاللغة الالبانية، مثلا، فمن مجموع 5140 مادة لغوية وردت في احد معاجمها المعتبرة نجدان‏المفردات الالبانية الاصيلة لاتتجاوز 430 مفردة، والباقي (4710) مفردة مأخوذة من لغات اخري، كاليونانية، و الرومانية، و السلافية، و التركية، و فيها 730 لفظة مجهولة‏الاصل. كذلك الأمر فياللغة الارمنية القديمة، فقاموسها الذي يضم 1940 مفردة، الاصيل فيها 438 مفردة والباقي مستعار من لغات اخري.»
من‏الملاحظ اليوم أن لغات سكان المواني‏ء مليئة بالاستعارات من اللغات الاخري عن طريق‏السياح و العمال و التجار و غيرهم من‏الاجانب الساكنين معهم. و كمثال بارز علي ذلك انتشار الاصطلاحات الا نجليزية فيلغة اهالي مواني‏ء ساحل الخليج الفارسي بوساطة شركات‏النفط. بناء علي ذلك، فان عجمة هذه‏الالفاظ (اي دخولها فياللغة العربية قبل نزول القرآن) أمر لا يعتوره‏الشك فينظرنا، و هولا يناقض عروبة القرآن ابداً، بموجب الادلة التي مرّ ذكرها.

هل كلمة «الوحي» عربية؟

لقداشرنا الي هذا فيموضوع «الوحي فياللغة» حيث قدمنا تفصيلا منقولاً عن‏المعاجم المعتبرة. إلا اننا هنا نتعمق قليلاً لاهمية الكلمة في بحث الالفاظ الاعجمية فيالقرآن.
بعدالتدقيق و التفحض في ما كتب عن‏الألفاظ الأعجمية فيالقرآن لم نعثر علي ايتصريح او اشارة الي كون هذه‏اللفظة اعجمية تاريخياً، خاصة اننا نعلم أن الكلمات الأعجمية المعرّبة غالباً ما تكون جامدة، اولها مشتقات قليلة، فيما نجد لكلمة «وحي» اكثر من عشر صيغ مشتقة تكررت فيالقرآن نحو 78 مرة، و ليس ثمة ما يدل علي ان الصحابة او التابعين قد سئلوا عن هذه‏الكلمة أهي اعجمية ام لا.
ثم إن كلمة «وحي» ليست علي الاوزان الاعجمية و ليس فيها اي علامة تدل علي تعريبها، إذ ان الكلمات الاعجمية الدخيلة تحمل علي جبينها سمة التعريب، واهمها:
1. دخول (ال•• ) عليها.
2. تبديل حرف او عدد من حروفها
3. الحاق علامات الاعراب و التنوين علي آخرها.
أي اذا وقعت اللفظة الاعجمية فيالكلام العربي فاعلاً كانت مرفوعة، و اذا وقعت مفعولاً كانت منصوبة، و هكذا . ثم من جهة‏اخري صيغة هذه الكلمة فياللغات العبرية و الآرامية والحبشية ذات الوزن المختص بهذه اللغات، يختلف عن‏الوزن العربي.
يقتبس السيد (راميار) من‏الدكتور جواد علي قوله:
«ان الاعتقاد بالوحي موجود عنداليهود والنصاري ايضا، و للوحي عندهم درجات، و هي فيالعبرانية والآرامية (اوحي Aohy) و في الحبشية (وحي Wahaya).»
و حتي لواخذنا بنظرالاعتبار استعمال كلمه (الوحي) بمشتقاتها الكثيرة فيالشعر العربي الجاهلي قبل‏الاسلام و وجودها التاريخي القديم فياللغة‏العربية و لبعض الادلة‏الاخري التي تقوي من كونها عربية، فما يزال هناك احتمال ان‏العبريين والاحباش و غيرهم قد اخذوا هذه‏الكلمة من العرب، و بعد ادخال تغييرات عليها، استعملوها فيلغاتهم، علي‏الرغم من أن إثبات هذه‏الاستعارة يتطلب سنداً تاريخياً موثوقاً به. و فيالنهاية، اذا كانت الروايات العديدة، كتلك الدالة علي اعجمية (قسورة) و (سجيل) و غير هما، صادقة ايضا في حق كلمة (الوحي) فليس من‏المستعبد القول بأعجميتها، و لم نكن لنضحي بالقول التحقيقي العلمي في سبيل‏القول المتعصب الجاهل.
اذن، لما كنا نفتقر الي دليل علي عجمة كلمة (الوحي) و مشتقاتها، فلا بدلنا من أن نقول بعروبتها الأصيلة.

مقالات مشابه

روش شناسی توضیح واژگان در تفسیر الکشاف و مجمع البیان

نام نشریهحسنا

نام نویسندهمحمود شهبازی, نرگس شیرازی

اعجاز ادبی قرآن کریم و سیر تطور آن (بررسی موردی تألیفات ادبی قرآن پژوهان در قرن دوم و سوم هجری)

نام نشریهلسان مبین

نام نویسندهعیسی متقی‌زاده, خلیل پروینی, رضوان باغبانی, محمدابراهیم خلیفه شوشتری

مبانی نظریه شمول پذیری آیات قرآن

نام نشریهمشکوة

نام نویسندهتهمینه پارسایی

إعراب القرآن للنحاس.. منهج و حرکة

نام نشریهالمورد

نام نویسندهاحمد نصیف الجنابی

قرآن معجزه ای فراتر از ساختار زبانی

نام نشریهکاوش‌نامه زبان و ادب

نام نویسندهاحمد فغانی, حسین شمس آبادی

شبکه های شعاعی در معناشناسی قرآن

نام نشریهذهن

نام نویسندهعلیرضا قائمی‌‎نیا

نقش علم لغت در دست یابی به قرائت واقعی قرآن

نام نشریهمعارف

نام نویسندهاحمد طاهری‌نیا

قرآن به منزله اثری ادبی

نام نشریهبینات

نام نویسندهمستنصر میر

چرا قرآن پيراسته از شعر است؟

نام نشریهبینات

نام نویسندهمرتضی کربلائی لو