وقفه مع الدكتور الذهبي؛ في كتابه «التفسير و المفسرون»

پدیدآورعبدالکریم الحیدری

تاریخ انتشار1388/11/21

منبع مقاله

share 1133 بازدید
وقفه مع الدكتور الذهبي؛ في كتابه «التفسير و المفسرون»

حجة‌الاسلام والمسلمين الدكتور السيدعبدالكريم الحيدري*
المستخلصة:

تعرّض الدكتور الذهبي في كتابه «التفسير و المفسرون» الي جملة من عقائد الشيعة الامامية، و قد أساء فهمها و لم يوفَّق الي عرضها بشكلها الواقعي، و من جملتها: مسألة التقية، حيث صوّرها تصويراً خاطئاً، فأحببنا أن نقف عند هذه المسألة لنثبت أنها من المسائل المشتركة التي يقرّها القرآن الكريم و الشريعة المقدسة بل هي من الامور الفطرية التي يلجأ إليها كل انسان عاقل في ظروف الخطر. و هي ـ فقهياً ـ خاضعة للأحكام الخمسة حتي أنها قد تكون محرَّمة في بعض الظروف.
و قد عاني الشيعة الامامية أتباع مذهب أهل البيت(ع) علي مرّ التاريخ ظروفاً قاسية ألجأتهم الي تطبيق هذا الحكم الشرعي فأصبحوا معروفين بالتقية لا سيما من قبل الحكام الظالمين وقد شوَّه الظالمون صورة التقية في أعين الناس ليشوهوا من خلال ذلك صورة مذهب أهل البيت(ع)، و مما يؤسف له أن الدكتور الذهبي قد ابتعد عن المنهج العلمي في عرضه لهذه المسألة.
الكلمات المفتاحية:
التقية، الشيعة الامامية، الذهبي.

نبذة عن الدكتور الذهبي:

الاسم: محمدحسين الذهبي

الولادة: ولد في جمهورية مصر العربية في محافظة كفر الشيخ سنة 1334 هـ ق ـ 1915 م.
دراسته: بدأ بحفظ القرآن الكريم في قريته ثم درس في مدينة دسوق ثم في معهد الاسكندرية الديني ثم في كلية الشريعة حيث حصل علي العالمية سنة 1358 هـ ق و كان ترتيبه الأول. ثم حصل علي الدكتوراه من كلية اصول الدين سنة 1366 هـ ق في علوم القرآن و الحديث.
المناصب التي شغلها: عُيّن أول أمره خطيباً و إماماً بمساجد الأوقاف، ثم مدرّساً بمعهد القاهرة الديني ثم أستاذاً بكلية أصول الدين بالأزهر.
عيّن أميناً عاماً مساعداً لمجمع البحوث الاسلامية ثم عميداً لكلية اصول الدين ثم أميناً عاماً لمجمع البحوث الاسلامية ثم وزيراً للاوقاف و كان قد شغل منصب رئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق العراقية«سابقاً».
وفاته: اختطف و قتل في شهر رجب عام 1397 هـ ق ـ 1977 م و قد اختلفت الاقوال في سبب اختطافه و اغتياله و قدقيل إن السبب هو: أن تذهب و تختفي معالم السرقات التي كانت بيديه وثائقها منذ كان وزيراً للأوقاف.
مؤلفاته: له العديد من الكتب و المقالات فمن جملة كتبه:
1. مقدمة في علم التفسير.
2. مقدمة في علوم القرآن.
3. مقدمة في علوم الحديث.
4. مشكلات الدعوة و الدعاة.
5. أثر إقامة الحدود في استقرار المجتمع.
6. الاسرائيليات في التفسير و الحديث.
7. الاحوال الشخصية: دراسة مقارنة بين أهل السنة و الشيعة الجعفرية.
8. الاسلام و أهل الذمة.
9. نور اليقين من هدي خاتم المرسلين.
10. الاتجاهات المنحرفة في التفسير: و هو الكتاب الذي ذكر في مقدمته أن تلميذه الدكتور رمزي نعناعة قد سرقه منه أيام كان مشرفاً علي رسالته الجامعية ثم طبعه باسمه بعد أن غيرّ عنوانه الي«بدع التفسير».
11. التفسير و المفسرون: و هو أهم كتبه و أشهرها حيث صار مصدراً للتدريس في كثير من الجامعات، و لأهمية هذا الكتاب فقد قام باختصاره ثلاثة من الباحيثن تحت عنوان«المختصر المصون من كتاب التفسير و المفسرون».1
و لأهيمة الكتاب تعرّضنا في هذه المقالة لبعض الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها المؤلف عندما عرض لعقائد الشيعة الامامية الاثني عشرية فأجببنا الاشارة الي بعضها بشكل موجز و سريع.
و له مجموعة من المقالات في مجلة«الوعي الاسلامي» و مجلة «المعارج».
نقد: و قد وجدنا رسالتين للماجستير تتعرض للذهبي
و كتابه«التفسير و المفسرون» بالنقد: الاولي للدكتور برومند من كلية الالهيات في جامعة طهران و الثانية للباحث محمد حسن المددي الموسوي من جامعة فردوسي في مشهد.
الذهبي و عقايد الشيعة الامامية:«التقية نموذجاً»:
بعد هذه النبذة الموجزة و السريعة عن الدكتور الذهبي، نقف قليلاً عند نقطة مهمة أكدّ عليها الذهبي في كتابه«التفسير والمفسرون» عند تعرضه لعقائد الشيعة، حيث قال:

أشهر تعاليم الامامية الاثني عشرية:

1. العصمة 2. المهدية 3. الرجعة 4. التقية.
و أما التقية: فمعناها المداراة و المصانعة و هي مبدأ أساسي عندهم و جزء من الدين يكتمونه عن الناس فهي نظام سرّي يسيرون علي تعالميه، فيدعون في الخفاء، لإمامهم المختفي و يظهرون الطاعة لمن بيده الأمر، فاذا قويت شوكتهم أعلنوها ثورة مسلّحة في وجه الدولة القائمة الظالمة».

و هنا نقف عند جملة من الامور:

لم يذكر الدكتور الذهبي المصدر الذي اعتمد عليه في بيان أشهر تعاليم الامامية الاثني عشرية.
من الواضح لمن يراجع كتب العقائد عند الامامية فانه سيجد أن أشهر عقائد الامامية لا تنحصر بهذه الأربعة و هذا يدل علي أنه ربّما يريد بها: الامور التي انفردت بها الامامية و خالفت أهل السنة فيها.
مسألتا (التقية) و (المهدية) ليستامن مختصات الامامية كما سنبين فيما يخص(التقية) من بحثنا هذا.
لقد صوّر التقية علي انها«نظام سرّي» هدفه انتهاز فرصة ضعف الدولة للثورة عليها و القيام ضدها ممّا يصورها و كأنها حركة هدّامة فيجعل المسلمين يتعاملون بحذر شديد من الشيعة الامامية‌و يخافونهم.
لا ندري عند ما قال بأن الامامية ـ من خلال التقية ـ عندما تقوي شوكتهم يقومون في وجه الدولة القائمة الظالمة؛ ما هو المانع من القيام أمام دولة ظالمة؟
إلاّ أن يقول لنا بأن الاسلام قد فرض علي المسلمين القبول بالحاكم و لو كان ظالماً و هذا مالا نقبله عقلاً و شرعاً و هذه آيات القرآن الكريم و الأحاديث تذم الظالمين و الركون إليهم«ولاتركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار» و اذا كان الشيعة لا يقلبون بالظلم فهذا من مفاخرهم. ثم الشيعة لم يكونوا عبر التاريخ يسعون الي السلطة و انما رفضوا الظلم.
6.لم يذكر ادلةً علي ادعاءاته الكثيرة و اكتفي بالقول عن الامامية بأنهم«يستدلون علي كل ما يقولون و يعتقدون بأدلة كثيرة غير أنها لا تسلم لهم و لا تثبت مدّعا هم و نحن نمسك عنها و عن ردّها خوف الإطالة»2و هذا كلام غير مسؤول و لاعلمي، فكيف يجوز سرد الشبهات والادعاءات ثم ترك الاشارة الي الادلة و مناقشتها خوف الاطالة؟!!
7. ذكر دليلاً واحداً يخص التقية و هو«الظن» بقوله:
«و نحن لا نظن أن الأئمة كانوا يلجأون الي هذه التقية3... والظن لايغني من الحق شيئا.»
8. و حاول أن يصوّور الشيعة الامامية بأنها حركة باطنية تخفي حقيقتها لا سيما اذا عاشوا مع السنة فقال:
«فان عاشوا وسط السنيين فباطنهم لأنفسهم و ظاهرهم التقية» و اكتفي بهذا من غير توضيح و لا دليل.»
و الحقيقة ان الباطن لا يعلمه إلاّ اللّه تعالي و نحن مأمورون بالظاهر. و لئن أخفي بعض الشيعة عن بعض إخوانهم السنة بعض معتقداتهم فان ذلك إنما لأجل أن إخوانهم لا يتحملون هذه المخالفة و لم تسع صدورهم أن تفسح مجالاً للدفاع عنها، و الاستدلال عليها. فدفعوا ثمناً باهضاً بسبب ذلك.و قد خلط بين الفرق الباطنية التي تخفي كتبها و عقائدها وبين الشيعة الامامية الذين أثروا المكتبة الاسلامية بكتبهم التي تبين عقائدهم.

نصّ غريب

يؤسفني أن أنقل ما ذكره الدكتور الذهبي في كتابه و هو يتحدث عن عقائد الامامية فجاء بهذا النص الغريب حيث يقول:«و قبل أن أخلص من هذه العجالة أسوق لك كلمة‌أنقلها بنصها عن أبي المظفر الإسفراييني في كتابه «التبصير في الدين» قال:
واعلم ان الزيدية و الإمامية منهم، يكفّر بعضهم بعضاً و العداوة بينهم قائمة دائمة، و الكيسانية يعدون في الامامية متفقون علي تكفير الصحابة. و يدعون أن القرآن قد غير عما كان و وقع فيه الزيادة و النقصان من قبل الصحابة. و يزعمون أنه قد كان فيه النص علي إمامة علي فأسقطه الصحابة منه، و يزعمون أنه لا اعتماد علي القرآن الآن و لا علي شيء من الأخبار المروية عن المصطفي(ص) و يزعمون أنه لا اعتماد علي الشريعة التي في أيدي المسلمين،‌و ينتظرون إماماً يسمونه«المهدي» يخرج و يعلمهم الشريعة، و ليسوا علي شييء من الدين و ليس مقصودهممن هذا الكلام تحقيق الكلام في الامامة ولكن مقصودهم إسقاط كلفة تكليف الشريعة عن أنفسهم حتي يتوسعوا في استحلال المحرمّات الشرعية، و يعتذروا عند العوام بما يعدونه من تحريف الشريعة و تغير القرآن من عند الصحابة، و لا مزيد علي هذا النوع من الكفر، إذ لا بقاء فيه علي شييء من الدين»4
اشتمل هذا النص الغريب علي اتهامات خطيرة ألخصّها في هذه النقاط:
1. الزيدية و الامامية يكفّر بعضهم بعضاً.
2. انهم متفقون علي تكفير الصحابة.
3. انهم يدّعون وقوع الزيادة و النقصان في القرآن الكريم. و انهم يزعمون ان الصحابة أسقطوا من القرآن الكريم النص علي إمامة علي(ع).
4. لا يعتمدون علي شيء من الاخبار المروية عن المصطفي(ص).
5. لايعتمدون علي الشريعة التي في أيدي الناس.
6. ينتظرون إماماً يسمّونه«المهدي».
7. ليسوا علي شيء من الدين.
و أسقطوا عن انفسهم كلفة تكليف الشريعة ليتوسعوا في استحلال المحرّمات الشرعية.
و الجواب و المناقشة لهذة الدعاوي الخطيرة يستلزم كتاباً موسعاً يخرجنا عن حدود هذه المقالة، و لهذا كنت أتردّد حتي في التعليق علي هذا النص الغريب، و أن اكتفي بالأسف و الأسي علي هذه الأقلام غير المسؤولة كيف تخدم أعداء الاسلام من خلال تمزيق الأمة الاسلامية العظمية. و تشويه صورة أتباع أئمة أهل البيت(ع) بجملة من الافتراءات، ولكن سأُشير في عجل الي بعض النقاط أداء لواجبنا في الدفاع عن الحق:
1. لم يعتمد الذهبي في نقله لهذا النص(و ما اشتمل عليه) علي مصادر الشيعة الامامية، كما يقتضيه منهج البحث العلمي.
2. التكفير لم يكن يوماً من الأيام شعاراً لشيعة أهل البيت(ع) بل هو شعار شرذمة مزّقت الأمة الاسلامية و أذاقتها الويلات و المصائب و لا تزال، و خير شاهد علي ذلك ما يجري في العراق من قتل الابرياء بعد تكفير هم و هذا الفكر (التكفيري) بعيد عن روح الاسلام العظيم و عن فكر أهل البيت(ع) الذين رفعوا شعار«اذهبوا فأنتم الطلقاء» و قال الشاعر في حق أهل البيت(ع):
ملكنا فكان العفو منّا سبحية (فلمّا ملكتم سال بالدم أبطحُ)
فحسبكم هذا التفاوت‘ بيننا (و كلُّ إناء بالذي فيه ينضحُ)
فأسسوا أسُس الرحمة و المودة بين أبناء الأمة الاسلامية.
3. يعتبر القرآن الكريم المصدر الاول للتشريع فقد اعتني به الشيعة الامامية أيمّا عناية و عقيدتهم بسلامته من التحريف قد امتلأت بها الكتب و المدوّنات و يشهد تاريخهم بذلك و قد دافعوا عن أنفسهم تجاه هذه التهيمة الظالمة بما لا مزيد عليه من التأليفات.
4. و أما احترامهم لصحابة النبي(ص) المخلصين الذين بذلوا أنفسهم و أموالهم في سبيل إعلاء كلمة الحق، فمن الواضحات و يشهد لهم زيارتهم لقبورهم و الدعاء لهم و هذه المسألة مذكورة في كتبهم ولكن هذا لا يعني أن جميع الصحابة بلا استثناء عدول منزَّهون عن الذنوب و المعاصي و الأخطاء، و القرآن الكريم و السنة الشريفة قد شهدا بهذه الحقيقة، و قد أشبعت هذا المسألة بحثاً لأهميتها و خطورتها. و خلاصة القول ان احترامنا للصحابة لا يمنع من مناقشة أفعال بعضهم علي ضوء القرآن الكريم و السنة الشريفة و التاريخ و العقل السليم.
5. و أما«انهم لا يعتمدون علي شيء من الأخبار»، فشيعة أهل البيت هم أول من حافظ علي الاخبار و دوّنها حيث كان المنع من تدوين الحديث!! و هم يفتحزون بأنهم حملوا راية السنة و تدوينها و الدفاع عنها و لم يحرقوها أو يمنعوا منها و هذه كتب الحديث الشريف قد حفظت ذلك التراث العظيم فالكافي لوحده يضم اكثر مما حوته الصحاح الستة...كل ذلك لانهم باشروا تدوين السنة الشريفة في زمن النبي(ص) و كتاب علي(ع) أفضل شاهد علي ذلك. و بهذا التراث استغنوا عن الرأي و القياس.
6. و أما«أنهم لا يعتمدون علي الشريعة» فلا أدري أين هذا في كتبهم الفقهية أم الكلامية ام الاخلاقية…؟!!
و أذا أردنا أن نوجّه كلامه جهة يمكن قبولها فنقول:
لعله يقصد أن بين الشيعة من لم يلتزم بالشريعة فاذا كان هذا مراده فان هذه المشكلة موجودة بين أبناء الامة الاسلامية علي اختلاف مذاهبها و ليس الذنب علي الاسلام اذا لم يلتزم المسلم بشريعته و هذا يدعونا الي التكاتف و التآزر في سبيل تطبيق الشريعة السمحاء و التزام جميع المسلمين بها و مواجهة الغزو الثقافي الذي يهدد أبناء الامة الاسلامية ...علي أننا نجد بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة في ايران اتجاهاً عاماً نحو الاسلام و تطبيق الشريعة، و صحوة إسلامية عالمية بل وجدنا إقبالاً كبيراً علي الاسلام و محاولة التعرّف علي فكر أهل البيت(ع) الذين يمثلون روح الاسلام المحمدي الأصيل.
7. و من الظلم الفادح أن يوصف أتباع مدرسة أهل البيت(ع) بأنهم (ليسوا علي شيء من الدين) و قد قدَّموا أنفس ما عندهم في سبيل الدين اقتداءً بامامهم أميرالمؤمنين(ع) شهيد المحراب و ابنه الامام الحسين(ع) شهيد كربلاء.
8. و أما (المهدي) (ع) فقد سمّاه جده رسول الله(ص) و لم يسمّوه هم، و قد تعلموا من النبي(ع) و الائمة(ع) أهمية انتظار المهدي و التمهيد لظهوره و مسألة المهدي من الامور المتفق عليها بين المسلمين و من مفاخر الاسلام الذي أمر بالعدل و القسط و وعد بأن يسودا في الارض علي يد الامام المهدي(عج) بعد أن ملئت ظلماً و جوراً«ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون».
و أختم هذه المناقشة السريعة بالأسف و الأسي علي هذه الكلمات التي سطرّها الذهبي في كتابه و أختم بالقول«إنا للّه و إنا إليه راجعون».
و أرجع إلي أصل البحث حول التقية.
تأكيد الذهبي علي مسألة التقية:
و عند ما كان يستعرض أهم كتب التفسير عند الامامية الاثني عشرية كان يتوقف لينقل مقتطفات ترتبط بهذه العقائد التي ذكرها و من جملتها مسألة(التقية) و نحن نشير الي بعضها حيث يقول الذهبي:
«تفسير الحسن العسكري:
ـ التقية: و هو يعترف بها و يدين بها...5
مجمع البيان لعلوم القرآن للطبرسي:
ـ التقية: و لما كان الطبرسي يقول بمبدأ التقية، فانا نجده يستطرد الي الكلام فيها و يؤيد مذهبه عند ما فسر قوله تعالي في الآية«28» من سورة آل عمران...
الصافي في تفسير القرآن الكريم لملا محسن الكاشيي:
ـ التقية: و لما كان ملا محسن يقول بالتقية‌ و يراها ضرورة من ضروريات قيام مذهبه وصون أصحابه من الاضطهاد فانا نراه يفيض فيها عند ما تكلم عن قوله تعالي في الاية «28» سورة آل عمران6
تفسير القرآن للسيد عبدالله العلوي:
ـ التقية: ولتأثر المؤلف بعقيدته في التقية نجده عند تفسيره لقولة تعالي في الآية«28» من سورة آل عمران7...
كل هذا يظهر حساسية الدكتور الذهبي من«التقية» و محاولته لإظهارها و كأنها أمر ابتدعه الامامية و ليس له أساس في الدين الاسلامي.
و هذا ما جعلنا نقف قليلاً عند هذه المسألة، علاوة علي هذا، فاننا وجدنا، أن هذه الاقلام بتشويهها للحقائق صارت سبباً لزرع الأحقاد بين أنباء الأمة الاسلامية الواحدة مما ينذر بوقوع فتنة لا تحمد عقباها و لا تخدم إلاّ أعداء الاسلام، لاسيما و أن كتابه هذا مصدر معتمد في كثير من الجامعات.

التقريب بين المذاهب ضرورة حياتية:

لقد التفت كبار العلماء من الفريقين منذ زمن بعيد إلي مسألة التقريب بين أبناء الامة الاسلامية الواحدة حتي تجسّد في إنشاء دار التقريب بين المذاهب الاسلامية بالقاهرة برعاية شيوخ في الأزهر كالشيخ محمود شلتوت و ببركة جهود المرجع الكبير المرحوم السيد البروجردي«قدس‌سره» ثم في زماننا المعاصر و بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة في ايران أكّد الإمام الخميني(قدس‌سره). علي هذه المسألة و أفشل بذلك محظطات الاعداء في الداخل و الخارج و علي نفس النهج سار سماحة السيد القائد الخامنئي«حفظه اللّه تعالي» و ببركته تّم تأسيس«المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية» و لا أجدني بحاجة الي بيان أهمية التقريب فانها في زماننا من الأمور الواضحة لا سيما أمام الهجمة الشرسة التي يقوم بها الاستكبار العالمي ضد المسلمين في مشارق الارض و مغاربها، فالتقارب أمنية كل المسلمين الواعين، و كنا نرجو و نأمل من مثل الدكتور الذهبي ممّن يتحملون مسؤولية كبيرة من خلال مناصبهم العلمية و الرسمية أن يهتموا بما يهتمّ به المسلمون و أن يحفظوا الصف الاسلامي و لا أقل من أن يكونوا منصفين في كتاباتهم، ولكن عجبنا لا ينتهي كيف يقدم هذا الاستاذ علي تشويه صورة أمة كبيرة من المسلمين و قد عاش قريباً منهم و لم يكن«في عقيدتي» صعباً عليه أن يستقريء عقائد الامامية لا سيما عند ما كان رئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق العراقية، و الشيعة الامامية في العراق يمثلون اكثرية هذا البلد العريق.
إن مثل هذه الكتابات غير المسؤولة من شأنها أن تزرع احقاداً بين أبناء الأمة الاسلامية الواحدة في وقت هي في أمس الحاجة الي التقارب و التعاضد.
بعد هذه المقدمة الموجزة دعنا ندخل في توضيح هذه العقيدة من مصادر الشيعة أنفسهم فهم أصحابها الذين حملوا رايتها واستعملوها فلماذا نسأل خصومهم عنها كما يفعل الكثيرون ممن كتبوا عن الشيعة«مع شديد الأسف».
و كما فعله الذهبي نفسه عندما نقل رواية من الكافي استناداً الي مصدر«الوشيعة في نقد عقائد الشيعة» و كان الاحري به أن يرجع الي نفس المصدر الشيعي لو كان منصفاً.8
و سنجد بوضوح أنّ التقية ليست من مختصات الشيعة الإمامية.
التقية من تعاليم القرآن الكريم:
إن أحد التعاليم القرآنية التي أشار إليها القرآن الكريم هي مسألة كتمان المسلم لعقيدته إذا داهمه خطر علي نفسه أو عرضه أو ماله لو أظهر عقيدته.
قال تعالي«من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أُكره و قبله مطمئن بالايمان».9
و هي ترتبط بقصة عمار بن ياسر عندما اضطر الي إظهار كلمة الكفر بعد أن قتلوا أباه ياسراً و أمه سمية و ذلك للخلاص و النجاة من أيدي الكفار بشرط أن يبقي قبله عامراً بالايمان مشحوناً بالاعتقاد الصحيح. ولنستعرض سريعاً بعض اقوال المفسرين في هذه الآية:
قال الطبرسي: قد نزلت الآية في جماعة أكرهوا علي الكفر، و هم عمار و أبوه ياسر و أمّه سمية، و قُتل الأبوان لأنهما لم يُظهرا الكفر و لم ينالا من النبي، و أعطاهم عمار ما أرادوا منه، فأطلقوه ثم أخبر عمار بذلك رسول الله، و انتشر خبره بين المسلمين، فقال قوم: كفر عمّار.
فقال الرسول(ص):«كلاّ! إن عماراً مليء إيماناً من قرنه الي قدمه، و اختلط الايمان بلحمه و في ذلك نزلت الآية السابقة، و كان عمار يبكي فجعل رسول الله(ص) يمسح عينيه و يقول:«إن عادوا لك فعد لهم بما قلت»10
1. و قال الزمخشري: روي أن أُناساً من أهل مكة فُتنوا فارتدوا عن الاسلام بعد دخولهم فيه، و كان فيهم من أُكره و أجري كلمة الكفر علي لسانه و هو معتقد للايمان، منهم عمار بن ياسر و أبواه ياسر و سمية، و صهيب و بلال و خباب.
أما عمار فأعطاهم ما أرادوا مكرهاً11
2. و قال القرطبي: قال الحسن: التقية جائزة للانسان الي يوم القيامة. ثم قال: أجمع أهل العلم علي أن من أُكره علي الكفر حتي خشي علي نفسه القتل انه لا اثم عليه إن كفر و قلبه مطمئن بالايمان و لا تبين منه زوجته و لا يحكم عليه بالكفر. هذا قول مالك و الكوفيين والشافعي.12
أكتفي بهذه النماذج و يمكن للباحث مراجعة بقية التفاسير ليتضح أن التقية ليست مختصة بالامامية و لا من ابداعاتها بل هي من مباديء القرآن الكريم.
و يكمن الرجوع أيضاً الي ما قاله المفسرون في ذيل قوله تعالي:«لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتقوا منه تقاةً و يحذرّكم الله نفسه و إلي الله المصير».13
و كذلك قوله تعالي:«و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله و قد جاءكم بالبينات من ربكم و إن يك كاذباً فعليه كذبه و إن يك صادقاً يُصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب»14
و كانت عاقبة أمره أن:«وقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوءُ العذاب».15
و ما كان ذلك إلاّ لأنه بتقيته استطاع أن ينجي نبيّ الله من الموت: «قال يا موسي إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين».16

هل التقية مختصة بالمسلم أمام الكافر:

ان مورد هذه الآيات و إن كان هو اتقاء المسلم من الكافر، ولكن الملاك«و هو حفظ النفس و المال و العرض في الظروف الحساسة و الخطيرة» لا يختص بالكفار فلو تعرض المسلم لخطر مماثل من قبل المسلمين الذين يخالفونه في الرأي جري في المقام حكم التقية لوحدة العلة و الملاك و قد صرّح بهذا لفيف من العلماء منهم الفخر الرازي عند تفسيره لقوله تعالي«إلاّ أن تتقوا منهم تقاةً» حيث قال: ظاهر الآية علي أن التقية إنما تحلّ مع الكفار الغالبين، إلاّ أن مذهب الشافع«رض» أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين و الكافرين حلّت التقية محاماةً عن النفس.
و قال: التقية جائزة لصون النفس، و هل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله(ص):«حرمة مال المسلم كحرمة دمه» و قوله(ص):«من قتل دون ماله فهو شهيد»17

و العقل أيضاً:

إن جواز التقية لا يحظي بالدليل النقلي من الآيات و الروايات فحسب، بل هي قضية يدعمها العقل السليم و الفطرة السلمية و لا تختص بالمسلم فكل إنسان إذا تعرضت حياته للخطر نتيجة إظهار عقيدته و عدم تحمّل الآخرين لها فانه بحكم العقل الذي أوجب عليه حفظ نفسه سيضطر إلي اخفائها.

التقية المحرّمة:

ولكن التقية في بحثها الفقهي تخضع للأحكام الخمسة و قد تكون محرّمة في بعض الظروف اذا ترتب عليها مفسدة أعظم كهدم الدين و خفاء الحقيقة علي الأجيال الآتية و تسلّط الاعداء علي شؤون المسلمين و حرماتهم و مقدساتهم. و للامام الخميني«قدس‌سره» كلام في المقام يقول:«تحرم التقية في بعض المحرمات و الوجبات التي تمثّل في نظر الشارع و المتشرعة مكانة بالغة، مثل هدم الكعبة و المشاهد المشرفة و الردّ علي الاسلام و القرآن، و التفسير بما يضرّ المذهب و يطابق الالحاد و غيرها من عظائم المحرمات و لا تعمّها أدلة التقية و لا الاضطرار و لا الإكراه».18
و مما لاشك فيه أن أئمة الشيعة استشهدوا بالسيف او السم عندما شعروا ان العمل بالتقية معناه زوال الدين و هلاك المذهب. و لهذا فان علماء الشيعة أظهروا عقائدهم الحقة في أشدّ الظروف و الأحوال و دفعوا لذلك ثمناً باهضاً، و لم يحدث طيلة التاريخ و لامرة واحدة أن أقدم علماء الشيعة علي تأليف رسالة او كتاب علي خلاف عقائد مذهبهم بحجة التقية.19
و اذا كان الشيعة قد مارسوا هذا الحكم الشرعي فانما كان ذلك بسبب الظلم الشديد الذي تعرضوا له علي مرّ التاريخ و ان استعراضاً سريعاً لتاريخ الشيعة في ظل الامويين و العباسيين و في عصر الخلفاء العثمانيين كفيل ببيان فداحة الظلم و القتل و التشريد الذي تعرض له أتباع مدرسة أهل البيت(ع) مع ما كانوا عليه من التقية فكيف اذا لم يراعوا هذا الاصل،?تري هل كان يبقي من التشيع اليوم اثر أو خبر؟!
و أساساً لابد من التنبية الي نقطة مهمة و هي انه اذا استوجبت التقية لوماً فان هذا اللوم يجب أن يوجّه الي من تسببّها.20
و الغريب أن بعض المذاهب الاسلامية قد عملت بالتقية في ظروف صعبة مرت بها من قبيل محنة«خلق القرآن» في عصر المأمون.21
و هذا ابوهريرة يصرِّح قائلاً: «حفظت من رسول الله و عائين، أما أحدهما فبثثته في الناس و أما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم».22
ولكن ما مرّ به الشيعة من اتباع مدرسة اهل البيت(ع) قد لا يمكن تصوره:

بيان معاوية الي عماله:

روي أبوالحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب«الأحداث» قال: كتب معاوية نسخة واحدة الي عماله بعد عام الجماعة!!:«أن برئت الذمة ممّن روي شيئاً من فضل أبي تراب و أهل بيته» فقامت الخطباء في كل كورة و علي كل منبر يلعنون علياً و يبرأون منه، و يقعون فيه و في أهل بيته، و كان أشد الناس بلاء حينئذٍ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي(ع) فقتلهم تحت كل حجر و مدر و أخافهم و قطع الايدي و الأرجل و سمل العيون و صلبهم علي جذوع النخل و طردهم و شرّ دهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.23
بعد هذا كله نقول للدكتور الذهبي ان العمل بالتقية ليس وسيلةتستخدمها الحركات السرية لأجل الحصول علي الحكم بل هي مبدأ اسلامي دلت الادلة الشرعية علي جوازه، و لو راجع كتب الامامية في هذه المسألة لعرف صورتها الحقيقية من غير تشويه و هذا هو المأمول من الباحث المنصف، لاسيما من يحِمل شهادة علمية كبيرة و تسنم مناصب مهمة و حساسة.
فإن الشيعة إنما كانوا يلجأون إلي التقية في عصر لم تكن لهم دولة تحميهم، و لا قدرة و لا منعة تدفع عنهم الأخطار. و أما في هذه الأعصار فلا مسوغ و لا مبرر للتقية إلا في موارد خاصة. إن الشيعة«كما قلنا» لم تلجأ الي التقية إلا بعد أن اضطرت الي ذلك، و هو حق لا أعتقد أن يخالفها فيه أحد ينظر الي الامور بعقله لا بعواطفه، و يحدّثنا التاريخ ان الشيعة رغم الظروف الصعبة كانوا من أكثر الناس تضحية فكانوا مفاخر التاريخ في الوقوف أمام الظلم و هذه مواقف رجال الشيعة مع معاوية و غيره من الحكام الامويين و العباسيين فهذا حجر بن عدي و ميثم التمار و رشيد الهجري و كميل بن زياد و مئات غيرهم.24

بين التقية و النفاق:

و قد خلط البعض بين هذا المفهوم القرآني الأصيل و بين النفاق و منهم الدكتور الذهبي حيث و صفها بقوله(تقية الخداع في الاخبار والنفاق في الاحكام)، فالتقية إظهار الكفر و إبطان الايمان أو التظاهر بالباطل و إخفاء الحق و النفاق يقابلها مقابلة الايمان و الكفر فهو ضدها و خلافها لانه إظهار الايمان و ابطان الكفر و التظاهر بالحق و إخفاء الباطل. و مع وجود هذا التباين الكبير بينهما فلا يجوز عدّها من فروع النفاق و القرآن الكريم يعرّف المنافقين بقوله تعالي:«اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله و الله يعلم إنك لرسوله و الله يشهد إن المنافقين لكاذبون» المنافقون: فهؤلاء يظهرون الإيمان و يخفون الكفر.
و كيف تكون التقية من فروع النفاق و قد وردت في الشريعة و أمرت بها النصوص الكثيرة و الله لايأمر بالنفاق.
ولكن هذه الاساليب تحاول تشويه صورة هذا الحكم الإلهي الذي جعلوه معلماً من معالم الشيعة الإمامية رغم انه ليس من مختصاتهم و لا من ابتكاراتهم سوي انهم عملوا بهذا التكليف حيث اضطرهم الظالمون اليه فحفظوا بذلك أنفسهم.
ولنا في تاريخنا المعاصر نموذج آخر حيث ان المسلمين القاطنين في الاتحاد السوفيتي السابق قد لاقوا من المصائب و المحن ما لا يمكن للعقول أن تحتملها و لا أن تتصورها فإن الشيوعيين و طيلة تسلطهم علي المناطق الاسلامية قد أذاقوهم ألوان المحن فصادروا أموالهم و أراضيهم و مساكنهم و مساجدهم و مدارسهم و أحرقوا كتبهم و قتلوا كثيراً منهم قتلاً ذريعاً و وحشياً، فلم ينج منهم إلا من اتقاهم باخفاء المراسم الدينية و العمل علي إقامة الصلاة في البيوت إلي أن نجّاهم الله سبحانه بانحلال تلك القوة الكافرة فبرز المسلمون من جديد و أخذوا يستعيدون مجدهم و كرامتهم و هذا من ثمار التقية المشروعة.25

الهوامش:

1. اعتمدنا في ترجمة الدكتور الذهبي علي
الف). المستدرك عل تتمة «الاعلام للزركلي» ص 240.
ب).اتمام «الاعلام للزركلي» ص 231.
2.الذهبي، محمدحسين، التفسير و المفسرون2:9.
3. ن.م23:2.
4.ن.م10:2.
5.ن.م2: 96.
6.ن.م 2: 174.
7.ن.م 190:2.
8.ن.م ص 40.
9.النحل: 106.
10.الطبرسي، مجمع البيان ،3:388.
11.الزمشخري، الكشاف عن حقائق التنزيل،430.
12.القرطبي، الجامع الـاحكام القرآن 4: 57.
13.آل عمران: 28.
14.غافر 28.
15.غافر: 45.
16.القصص:20.
17.الرازي، مفاتيح الغيب 13:8.
18.سبحاني، أضواء علي عقائد الشيعه الاماميه: 423.
19.سبحاني، العقيدة الاسلامية: 277.
20.ن.م: 278.
21.تاريخ الطبري: 7/195 ـ 206.
22.محاسن التأويل 4: 82.
23.سبحاني، اضواء علي عقائد الشيعه الاماميه: 39 نقلاً من شرح نهج البلاغة 11: 46.
24.راجع «سبحاني، اضواء علي عقائد الشيعة الامامية: 422».
25.ن.م: 408.
* عضو الهيئة العلمية في المركز العالمي للدراسات الاسلامية.

مقالات مشابه

تقیه از نگاه مفسّران و فقیهان فریقین

نام نشریهشیعه شناسی

نام نویسندهغلامحسین اعرابی

معناشناسی تقیه در قرآن

نام نشریهمطالعات قرآنی

نام نویسندهمهدی ممتحن, محمد عظیمی ده علی

بررسي تطبيقي آيات تقيه در تفاسير فريقين

نام نشریهمطالعات تفسیری

نام نویسندهمحمدعلی رضایی اصفهانی, محمدصادق محسن‌زاده

تقیه در شرایع پیشین و اسلام

نام نشریهکلام اسلامی

نام نویسندهجعفر سبحانی

تقيه

نام نشریهدائرة المعارف قرآن

نام نویسندهبخش فقه و حقوق, حسین رحیمیان

تقیه در شرایع پیشین و اسلام

نام نشریهکلام اسلامی

نام نویسندهجعفر سبحانی

تقیه و ابعاد آن

نام نشریهمعارف اسلامی

نام نویسندهمحمدباقر شریعتی سبزواری