بحثا عن النور

پدیدآورعلی الکورانی

تاریخ انتشار1388/09/13

منبع مقاله

share 314 بازدید
بحثا عن النور

علي الكوراني
في طريقنا إلي البقيع سألني رفيقي مرتضي:
ـ ما لي أراك ساكتا متفكرا كأنّك في عالم آخر ... هل حدث لك شيء؟!
ـ لم يحدث لي شيء، وكأني لست أهلاً لأن يحدث لي شيء .. أو أجد ريح يوسف...
هل نسيت أننا في مدينة الرسول، وأنها مسكن صاحب الأمر ، أرواحنا فداه؟!
لقد شغل فكري حديث عن الإمام الصادق عليه‏السلام يقول: «لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولابدّ له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة».

مسألة بهذه الضخامة، كيف لا تشغل الفكر والحواس؟!

نور اللّه‏ في أرضه وحجته علي عباده .. يسكن في هذا البلد الذي نحن فيه، ولا نبحث عنه، أو عن أثارةٍ منه
أما قرأت قوله تعالي: اللّه‏ُ نورُ السماوات والأرض مثلُ نوره كمشكاة فيها مصباحٌ المصباحُ في زجاجة الزجاجةُ كأنها كوكب دري يوقدُ من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتُها يضيء ولو لم تمسسه نار نورٌ علي نور يهدي اللّه‏ لنوره من يشاء ويضرب اللّه‏ الأمثال للناس واللّه‏ بكلّ شيء عليم في بيوت أذن اللّه‏ أن ترفع ويذكر فيها اسمُهُ يُسبّح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر اللّه‏ وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ...؟1.
يعني أنّ لنوره ـ عزوجل ـ مركزا في الأرض، وأنه مثل المشكاة، وأنه ـ تعالي ـ يضرب هذا المثل للناس الساكنين علي هذه الأرض!!

فأين هو هذا النور الإلـهي، والمشكاة والمصباح المتوقّد؟ ..

كيف يمكننا أن نقبل أقوال المفسرين بأن الآية التي بعدها: في بيوت أذن اللّه‏ أن ترفع لا علاقة لها بآية النور، ونغمض عيوننا عن الحديث النبوي الذي نرويه عن أهل البيت عليهم‏السلام ، ويرويه السيوطي والثعلبي بأنّ هذا النور الإلـهي موجود في هذه البيوت ، وأنّها بيوت الأنبياء والأئمة؟!
يقول السيوطي في الدر المنثور :2
«وأخرج ابن مردويه عن أنس ابن مالك وبريدة قال: قرأ رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله هذه الآية في بيوت أذن اللّه‏ أن ترفع فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول اللّه‏؟ قال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول اللّه‏، هذا البيت منها ـ لبيت علي وفاطمة ـ ؟ قال: نعم من أفاضلها»!
وكيف نقنع بتفسير المفسّرين لهذه البيوت بأنها المساجد، وبأن مشكاة نور اللّه‏ في الأرض هي قناديل المساجد التي يضيؤها الناس بالشمع، والنفط، والكهرباء؟!
ألا تري أنّ مطلع الآية اللّه‏ نور السماوات والأرض يمهد للمسألة ويلخّصها كلّها .. فهو ـ عزوجل ـ نور خلق السماوات والأرض .. ونور استمرار وجودها وحياتها .. ونور كل شيءٍ فيها .. وله في كلّ عصر نور في الأرض أشبه ما يكون بالمصباح في المشكاة، يهدي إليه من يشاء ..
وهذا هو مضمون الحديث المتواتر: «إنّ اللّه‏ ـ تعالي ـ لا يخلي أرضه من حجّة، إمّا ظاهرا مشهودا، أو خائفا مغمورا».
* * *
وبعد الزيارة، اقترح صاحبي أن نجلس عند جدار البقيع، ونكمل حديثنا عن الإمام المهدي عليه‏السلام ، فجلسنا، وقال:
ـ أتعني: أنّ الإمام المهدي عليه‏السلام هو في عصرنا مركز النور الإلـهي في آية النور؟
ـ يا صاحبي إنّ مقتضي قوله مثل نوره كمشكاة أن هذه المشكاة موجودة دائما في الأرض، لأنّه كلام مطلق من حيث الوقت وليس مقيّدا بزمان، والحديث النبوي الذي رواه السيوطي صريح في ذلك.
ـ أقول: إنّ الأفعال الإلـهية في الأرض والناس تتمّ بواسطة الإمام المهدي عليه‏السلام ؟!
ـ بل أقول: إنّ للّه‏ مصباحا في أرضه هو مركز نوره، ولا شكّ في أنّه كان متمثلاً بالنبيّ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ، وكان له دوره في إشعاع النور الإلـهي، ودوره في فيض العطاء الإلـهي أكثر من تصوّرنا العادي ..
ثمّ لا شكّ في أنّ هذا المصباح تمثل من بعده بعليّ والأئمة من ولده عليهم‏السلام ضمن الحدود التي أخبر بها رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ..
أَما فهمت من سؤال أبي بكر للنبي أنه أراد أن يعرف أن بيت عليّ وفاطمة ـ الذي يؤكد الرسول دائما أنّه بيته، وأنّ أهله هم أهل بيته ـ هل هو من بيوت الأنبياء ومراكز النور الإلـهي؟ فأجابه النبيُّ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله : بأنه ليس فقط جزءا منها بل هو من البيوت المميّزة فيها!!
أَما قرأت سورة القدر وملائكتها المتنزلة في كلّ عام بكلّ أمر ..؟

أَما تأمّلت في هذا التعميم؟!

إنّ مقام نبيّنا ومقام أوصيائه يا صاحبي أعظم مما نتصوّر، وأنواع الأفعال الإلـهية أكثر مما نتصوّر، فمنها ما يفعله اللّه‏ ـ تعالي ـ مباشرة، ومنها ما يفعله بواسطة ملائكته وأنبيائه، أو بواسطة من يشاء من خلقه!
ولعلّنا نستطيع أن نجد أضواء علي أنواع الفعل الإلـهي وقوانينه من القرآن، من نسبة الفعل إلي اللّه‏ ـ تعالي ـ بصيغة المفرد المتكلّم، أو بصيغة الجمع، أو بصيغة الغائب ..
إنّ دراسة الأفعال المسندة إلي اللّه‏ ـ تعالي ـ في القرآن، عن طريق إحصائها وتقسيمها وتحليلها، سيعطينا أضواء هامة علي أنواع الفعل الإلـهي ووسائله .. إنك تشعر أن في صيغ الفعل الإلـهي في القرآن هدفا، وأنّ وراءها قاعدة ..
مثلاً بعض الأفعال أسندها ـ عزوجل ـ إلي نفسه بصيغة المفرد المتكلم، وبصيغة جمع المتكلم، وبصيغة المفرد الغائب، مثل: أوحيت، أوحينا، نوحي، أوحي ..
وبعضها أسندها بصيغة جمع المتكلم والغائب فقط، ولم يسندها بصيغة المفرد مثل: بشّرنا، أرسلنا، صوّرنا، رزقنا، بيّنّا .. الخ. ولم يقل بشّرت أو رزقت .. الخ.
أشعر بأنّ في الأمر قاعدة، فإنّ كلمات القرآن وحروفه موضوعة في مواضعها بموجب حسابات وقواعد دقيقة، كما وضعت النجوم في مواضعها ومداراتها في الكون فلا أُقسم بمواقع النجوم وإنه لقسمٌ لو تعلمون عظيم إنّه لقرآن كريمٌ3.
ولكن استكشافنا للقاعدة في استعمال الفعل سيبقي ظنيا وتخمينيا؛ لأننا محرومون من الذي عنده علم الكتاب روحي فداه!
روي في الاحتجاج أنّ شخصا جاء إلي أمير المؤمنين عليه‏السلام وقال له: لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض؛ لدخلت في دينكم! فقال له عليه‏السلام : وما هو؟ فقال:
(... أجد اللّه‏ يقول: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، وفي موضع يقول: اللّه‏ يتوفي الأنفس حين موتها، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، وما أشبه ذلك، فمرّة يجعل الفعل لنفسه، ومرّة لملك الموت، ومرّة للملائكة... .
فقال أمير المؤمنين عليه‏السلام : سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح، تبارك وتعالي، هو الحيّ الدائم، القائم علي كلّ نفس بما كسبت، هات أيضا ما شككت فيه:
قال: حسبي ما ذكرت ... .
قال عليه‏السلام : فأما قوله: اللّه‏ يتوفي الأنفس حين موتها، وقوله: يتوفاكم ملك الموت، وتوفته رسلنا، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ... فهو ـ تبارك وتعالي ـ أعظم وأجلّ من أن يتولي ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله، لأنّهم بأمره يعملون، فاصطفي ـ جلّ ذكره ـ من الملائكة رسلاً وسَفَرَةً بينه وبين خلقه وهم الذين قال فيهم: اللّه‏ يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس .. فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومَن كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكلّ ما يأتون به منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت، وفعل ملك الموت فعل اللّه‏؛ لأنّه يتوفي الأنفس علي يد من يشاء، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب علي يد من يشاء، وإنّ فعلَ أُمنائه فعلُه).
* * *
قال صاحبي:
ـ أَتعتقد بأنّ الأنبياء والأئمة مضافا إلي دورهم في التبليغ والهداية، لهم دور في الفعل الإلـهي في الطبيعة والأشخاص والمجتمعات؟
ـ لابدّ لنا من الاعتقاد بذلك، لأنّ الآيات تدلّ عليه، والأحاديث والسيرة صريحة فيه .. أما حدود هذا الدور وتفاصيله فلا نعرفها، والظاهر أنها من أسرار اللّه‏ ـ تعالي ـ فقد بني ـ سبحانه ـ أكثر أفعاله علي الاسرار، حتي إنه قال لنبيّه موسي عن الآخرة: إنّ الساعة آتيةٌ أَكاد أُخفيها لِتُجزي كلُّ نفسٍ بما تسعي4!
ـ وعلي هذا يحقّ للآخرين أن يتهمونا بأنا نجعل الأنبياء والأئمة شركاء للّه‏ تعالي!
ـ تعالي اللّه‏ عن ذلك .. لا يحزنك يا صاحبي الذين يتّهمون المسلمين بالشرك، واسألهم:
إذا ثبت بآية أو بحديث صحيح أنّ اللّه‏ ـ تعالي ـ يجري قسما من أفعاله بواسطة ملائكته ورسله وأوليائه، فقبلنا ذلك وآمنّا به، هل نكون مشركين؟!
أَما قرأت قوله تعالي: قُل إِن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين سبحان ربّ السماوات والأرض ربّ العرش عما يصفون5؟
يعني: أيها النبي، قل أنا تابع لما يأتيني من ربي، فإذا أخبرني أن له ولدا، وأمرني بعبادته، فأنا أول العابدين، لكنه تعالي عن ذلك.
ونحن نقول: إذا دلّنا الدليل من كتاب اللّه‏ ـ تعالي ـ أو سنّة نبيّه صلي‏الله‏عليه‏و‏آله علي أنّ اللّه‏ ـ تعالي ـ يجري بعض أفعاله بواسطتهم، فنحن نسمع ونطيع ونعتقد بذلك، وهو عين التوحيد، ونقول لمن يتّهمنا: اِفهموا التوحيد قبل أن تتّهموا الناس بالشرك.
كأنّ هؤلاء يضعون شرطا علي اللّه‏ ـ تعالي ـ لتوحيده!! وهو أن تكون أفعاله ـ عزوجل ـ مباشرة بدون واسطة، أو تكون بواسطة الملائكة دون غيرهم من البشر والمخلوقات .. أما نحن فنوحّده ـ تعالي ـ بدون شرط، ونقبل أفعاله بأيّ واسطة أجراها، ونعتقد بأنّ فعل أمنائه هو فعله علي حدّ تعبير أمير المؤمنين عليه‏السلام ..

فأيّ التوحيدين أرقي .. وأعمق؟

ـ حقا، إنها فكرة عميقة أسمعها لأوّل مرّة، نعم، إنّ التوحيد الصحيح هو التوحيد بلا شروط، وإلاّ لصار الشرط شركا! ..
حسنا .. ماذا يعمل الإمام المهدي في المدينة، ومع مَن يعيش؟
ـ كما يعمل الخضر ويعيش .. أما قرأت قصّة موسي والخضر عليهما‏السلام في القرآن؟
ـ بلي، وهل يعتقد كلّ العلماء بأنّ الخضر ما زال حيّا يرزق؟
ـ نعم، فقد وردت الروايات الصحيحة عندنا بأنّه ما زال حيّا ويقوم بعمله، وثبت ذلك عند أكثر علماء السنّة، فقد ذكر في مجموع النووي في مسألة استحباب تعزية أهل الميت بمصابهم، ذكر استدلال العلماء علي ذلك بتعزية الخضر لأهل بيت النبيّ عند وفاته صلي‏الله‏عليه‏و‏آله .
اِقرأ قصة الخضر في القرآن؛ لتعرف أنه مأمور من اللّه‏ ـ تعالي ـ بعمليات خاصّة إذا صحّ التعبير، وأنّ نبيّ اللّه‏ موسي عليه‏السلام قد رافقه ليوم أو يومين فرأي منه ما لم يستطع عليه صبرا!
وقد ورد عن النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله أنّه قال: رحم اللّه‏ أخي موسي لقد عجل علي العالِم، أما إنّه لو صبر عليه لرأي منه العجائب!
ولابدّ من أنّ نبيّنا صلي‏الله‏عليه‏و‏آله قد رأي هذه العجائب!

ـ وما هي هذه العجائب؟

ـ ياصاحبي!إنّ‏إدارة اللّه‏ ـ تعالي ـ وربوبيّته لنا تشبه كرة الثلج في الماء لا يظهر منها إلاّ عشرها، بينما تخفي علينا تسعة أعشارها!
وكلّ مرحلة باطنة من إدارته ـ عزوجل ـ أعجب من التي قبلها، وأصعب فهما؛ لأنّها كما يظهر تتمّ بقوانين ووسائل أعمق من التي قبلها!
وما أدري أين هو موقع نبيّنا وآله صلي‏الله‏عليه‏و‏آله من هذه المراحل، ولكن أدري أنهم نور اللّه‏ في الأرض، يجري ـ عزوجل ـ علي أيديهم ما يشاء من الأفعال.
ـ يعني مثل الرزق والموت والحياة؟
ـ وما المانع من ذلك؟ هل تريد أن تمنع اللّه‏ ـ تعالي ـ من أن يوكّل أحدا بفعل من أفعاله! أو تمنع عطاءه لأنبيائه؟!
ما المانع من أن يأمرهم اللّه‏ ـ تعالي ـ بشيء من ذلك، ويعطيهم القدرة عليه، فيفعلونه بأمره وإذنه، لا بأمرهم وقدرتهم؟ فإنّما هم عباد مخلوقون ليس لهم من الأمر شيء، ولكنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون6.
ـ وهل يوجد الآن غير الخضر والإمام المهدي مأمورون بهذا النوع من العمليات الخاصة؟

ـ تقول بعض الروايات:

«قال موسي عليه‏السلام : بينا أنا والخضر علي شاطئ البحر، إذ سقط بين أيدينا طائر، فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر، ورمي بها نحو المشرق، وأخذ منه ثانية، ورمي بها نحو المغرب، ثمّ أخذ ثالثة ورمي بها نحو السماء، ثمّ أخذ رابعة ورمي بها نحو الأرض، ثمّ أخذ خامسة وألقاها في البحر، فبهتّ أنا والخضر من ذلك وسألته عنه؟ فقال: لا أعلم.
بينما نحن كذلك فإذا صياد يصيد في البحر، نظر إلينا وقال: ما لي أراكما في فكرة من أمر هذا الطائر؟ فقلنا له:
هو ذاك. فقال: أنا رجل صياد وقد علمت إشارته، وأنتما نبيّان لا تعلمان؟! فقلنا: ما نعلم إلاّ ما علّمنا اللّه‏ عزوجل».
من هذه الرواية وأمثالها نعرف أن للّه‏ ـ تعالي ـ أولياء معتمدين متعددين يجري ما يريده من أفعال بواسطتهم، وقد قال عزوجل: وللّه‏ جنود السماوات والأرض7 وقال: وما يعلم جنود ربك إلاّ هو8!
ولكن يبقي للإمام المهدي عليه‏السلام موقعه المميز في جنود اللّه‏ ـ تعالي ـ وأوليائه.
فإنّ الأحاديث الثابتة تقول : إنّ مسألة النبي وأهل بيته مسألة مميزة من الأساس، وأنّ اللّه‏ ـ تعالي ـ قد خلق نور محمد وأهل بيته قبل أن يخلق آدم وينفح فيه من روحه!
كنت رأيت هذه النصوص في مصادرنا، ثمّ رأيتها في مصادر إخواننا السنّة، وفي مؤلفات بعض المؤلفين الذين يحاولون التقليل من أهمية أهل البيت ما وجدوا إلي ذلك سبيلاً!
وأخيرا قرأت ذلك عند المسعودي في مقدمة تأريخه «مروج الذهب»، حيث تحدّث ـ علي عادة المؤرّخين ـ عن بداية خلق العالم، وأورد حديث خلق النور المحمدي قبل خلق آدم، ممّا يدلّ علي أنّ هذه النصوص كانت معروفة عند المؤرخين أيضا!
قال المسعودي9 «فهذا ما روي عن أبي عبد اللّه‏ جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه‏ وجهه:
إنّ اللّه‏ حين شاء تقدير الخليقة ، وذرأ البريّة ، وإبداع المبدعات ، نصب الخلق في صور الهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأتاح (فأساح) نورا من نوره فلمع، و [نزع [قبسا من ضيائه فسطع، ثمّ اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفيّة فوافق ذلك صورة نبيّنا محمد صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ، فقال اللّه‏ عزّ من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنّة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، وأجعلهم حجّتي علي بريّتي... ثمّ أنشأ اللّه‏ الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوّة محمد صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلمّا خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصّه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء، فجعل اللّه‏ آدم محرابا وكعبة وبابا وقبلةً أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثمّ نبّه آدم علي مستودعه، وكشف له [عن] خطر ما ائتمنه عليه»10.
(وشبيه به في تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي!)11
اِسمع يا مرتضي! إنّ اللّه‏ تعالي يقول:
أم يحسدون الناس علي ما آتاهم اللّه‏ من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما12.
ويقول عن الخضر: آتيناه رحمةً من عندنا وعلّمناه من لدنّا علما13.
ـ ولكن هل تعتقد أنّ اللّه‏ ـ تعالي ـ أعطي الخضر وآل ابراهيم أكثر ممّا أعطي محمدا وآل محمد؟
كلاّ، ولكنّه ـ تعالي ـ لم يصرّح بذلك في القرآن؛ لأنّ أُمّة النبيّ وأمم العالم لا يتحمّلون تفضيل محمد وعترته إلي هذا الحدّ إلي يوم القيامة ..!
وقد رأينا أنهم لم يتحمّلوا ما هو أقل من ذلك، وأنهم عاملوا أهل بيت النبيّ بأسوأ ما تعامل الحكومات الاسر المنافسة لها!
الخضر يا صاحبي مكلّف بما يؤمر به من علم الباطن، وموسي مكلّف بما يؤمر به من علم الظاهر، ونبيّنا وأئمّتنا مكلّفون بما يؤمرون به من علم الظاهر والباطن!
ـ وهل يعقل أن يكون إنسان واحد مكلّفا بعلم الظاهر والباطن معا! إنّ علم الظاهر والباطن لم يستطيعا أن يتعايشا معا لمدّة قصيرة في قصّة موسي والخضر، حتي قال له الخضر: هذا فراق بيني وبينك14!
ـ أسألك يا أخ مرتضي: هل يمكن أن يكون في جيبك مال وتحتاج إلي إنفاقه ولا تنفقه؟
ـ نعم يمكن، ولكن هل هذا مثل أن يعلم الإنسان علم الباطن ولكنه يعمل بعلم الظاهر؟
ـ نعم هذا شبيه به، ولكن أسألك سؤالاً آخر: هل يمكنك أن تكون علي علم بأنّ صديقك فلانا سوف يموت في هذه السنة ولا ترتّب علي علمك بذلك أثرا أبدا؟
وهل يمكنك أن تصبر علي عداوة عدوّك، وأنت تستطيع أن تدعو اللّه‏ عليه فيستجيب دعاءك ويهلكه؟
قصدي من هذه الأسئلة أنك إذا ملكت وسائل وأسبابا غير عادية، أو قدرة علي صنع المعجزة، هل تستطيع أن تعيش بالأسباب العادية والقوانين المادية الطبيعية؟
ـ لا أظن أنّي أستطيع ذلك، ولذا أقول: إنّه لا يمكن للإنسان أن يجمع بين علم الباطن والعمل بعلم الظاهر.
ـ أمّا نبيّنا وأهل بيته فيمكنهم ذلك بمعونة اللّه‏ ـ تعالي ـ وعصمته، وهذا هو الفرق بينهم وبيننا!!
قم بنا يا صاحبي فقد طال بنا الجلوس ... .
* * *
من ذلك اليوم لم يعفني صاحبي من أسئلته واستفهاماته عن مكانة الإمام المهدي عند اللّه‏ تعالي، وعن معيشته وعمله ... وكأنّ ذلك صار شغله الشاغل!
وصار الجلوس في المسجد عند جدار البقيع لمدّة طويلة محببا إليه .. كان يجلس طويلاً متفكّرا، أو يقرأ القرآن .. أو يذكر اللّه‏ تعالي ..
رأيته يوما جالسا في المسجد .. فجلست إليه وقلت له: حدّثني يا مرتضي عن عالمك، بماذا تفكّر؟
ـ بل أنت حدّثني عن تنزّل الملائكة في ليلة القدر، وما هو البرنامج الذي يأتون به إلي صاحب الأمر روحي فداه؟
ـ وما علمي بذلك يا مرتضي .. الذي أعرفه من ذلك قوله تعالي: تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر وقد ورد في الرواية أنّ عمر بن الخطاب سأل النبيّ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله لماذا يرق قلبه عندما يقرأ هذه السورة أكثر مما يرقّ لغيرها؟ فأعاد النبيّ قراءتها حتي وصل إلي قوله تعالي: من كلّ أمر ثمّ قال لعمر:
وهل بقي بعد هذا شيء، قال: كلا.
وهذا الحديث يدلّ علي تنوّع الأوامر والأمور النازلة في ليلة القدر علي قلب رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ، أو علي قلب حجّة اللّه‏ في أرضه!
وقد وردت روايات عن الأئمة الطاهرين تؤكد هذا المعني، وتذكر بعض التفاصيل.
ـ إنّها مسألة كبيرة، وقد وصلت إلي أن ترك التفكير فيها أولي، أَليس كذلك؟
ـ التفكير يوصلنا إلي معرفة أشياء كثيرة، ولكن ما ينزل في ليلة القدر لا يمكن معرفته بالتفكير فيه، ولا نحن مكلّفون بذلك .. إنّما يجب علينا أن نؤمن بقوله تعالي: تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمرعلي عمومه وإجماله.
ـ فكّرت في هؤلاء الثلاثين الذين يلتقي بهم صاحب الأمر ـ روحي فداه ـ فوصلت إلي أنّه قد يعطي كلّ واحد منهم قسما من برنامج السنة ويأمره بتنفيذه، أَليس كذلك؟
ـ هذا محتمل، كما يحتمل أن تنزل طريقة تنفيذ البرنامج مع البرنامج نفسه، فلا يمكننا أيضا أن نعرف بالتفكير طريقة عمل الإمام المهدي أرواحنا فداه.
ـ لقد فكّرت في قصة الخضر في القرآن فرأيت أنّ محور أعماله هو مساعدة المؤمنين وخدمتهم في أمور معيشتهم، مثل أصحاب السفينة الذين خلّص سفينتهم من المصادرة، والغلامين اللذين حفظ لهما كنزهما، كما قام لدفع الضرر والضلال عن والدي الغلام الشرّير.
كما فهمت من قصّة الخضر عليه‏السلام أنّه شخص متجوّل وليس مقيما في مكان واحد. فقد ركب في السفينة وقصد قرية واحدة أو عدّة قري، وكان له في كلّ مكان هدف وعمل.
وعلي هذا يمكن أن نقول: إنّ أعمال صاحب الأمر وجماعته ـ روحي فداه وفداهم ـ تدور حول خدمة المؤمنين ماديا ومعنويا، وأنهم متحرّكون لا يقيمون في مكان واحد.
ـ نعم هو كذلك، وقد ورد في كنز الغلامين أنه كان لوحا من ذهب، وقد كتب عليه العلم والحكمة، فتكون خدمة الخضر لهما خدمة في أمر معيشتهما وفي هدايتهما معا.
ـ إذن ما معني الرواية التي تقول : إنهم يقيمون في المدينة؟!
ـ المدينة مقرّ إقامتهم، ولا يمنع ذلك من تحرّكهم وتجوّلهم.
وتركت صاحبي جالسا في مسجد النبي صلي‏الله‏عليه‏و‏آله يتمتم بذكر اللّه‏ ـ تعالي، ويتأمل في مقام النبي وآله.

پاورقيها:

(1) النور: 35 ـ 37.
(2) الدر المنثور 5 : 50 .
(3) الواقعة : 75 ـ 77.
(4) طه: 15.
(5) الزخرف: 81 ـ 82.
(6) الأنبياء : 26 ـ 27 .
(7) الفتح : 4 ، 7 .
(8) المدثر : 31 .
(9) في المجلد الأول من تاريخه : ص22 .
(10) مروج الذهب 1 : 22 .
(11) تذكرة الخواص : 128 ـ 130 .
(12) النساء : 54 .
(13) الكهف : 65 .
(14) الكهف : 78 .

مقالات مشابه

ارزیابی دیدگاه مفسران درباره معناشناسی «معیشت ضنک» در آیه ۱۲۴ طه

نام نشریهمطالعات تفسيري

نام نویسندهسیدمحمد موسوی مقدم, فتح‌الله نجارزادگان, شیما محمود‌پور

نقش سیاق در تفسیر آیة تبلیغ

نام نشریهسراج منیر

نام نویسندهعباس اسماعیلی‌زاده, محبوبه غلامی

بررسي ديدگاه تفسيري علامه طباطبايي در تفسير آيه تبيان

نام نشریهمطالعات تفسيري

نام نویسندهعلی نصیری, سیدمصطفی مناقب, سیدکریم خوب‌بین خوش‌نظر

بررسي برداشت‌هاي تفسيري علامه‌طباطبايي درباره آيات مربوط به لوح محفوظ

نام نشریهمطالعات تفسيري

نام نویسندهسیدمرتضی حسینی شاهرودی, محمدعلی وطن‌دوست

بررسي آیات استثنايي سوره هاي انعام و اسراء

نام نشریهحسنا

نام نویسندهقاسم بستانی, مینا شمخی, نصره باجی